عادي
في شاعرية البصر

حروف الثلث تغزل الجمال

16:29 مساء
قراءة 3 دقائق
ناصر الميمون

الشارقة: عثمان حسن
أسهمت تجارب الخطاطين العرب في العصر الحديث في إحداث نقلة نوعية في فنون الخط العربي، وبخاصة في الخط الثلث، ذلك أن هذا الخط على وجه الخصوص هو أحد أبرز الخطوط العربية والإسلامية، بما يتميز به من الجمال والإتقان الفني والنسب الهندسية الدقيقة، وأيضاً لاستخداماته الواسعة في الكتابات الدينية والفنية والزخرفية.
من التجارب اللافتة في الثلث يبرز اسم السعودي ناصر الميمون، الذي يلقب بعميد الخطاطين السعوديين، وهو يوصف أيضاً بأنه يمثل حالة فنية استثنائية.
قدم ناصر الميمون العديد من اللوحات الجميلة والمتقنة عبر رحلة امتدت لعشرات السنوات، ولدينا واحدة من تجاربه في الخط الثلث استخدم فيها الآية الكريمة (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) وهي إحدى آيات سورة الشرح، والآية هي بمنزلة بشارة عظيمة، أنه كلما وجد الإنسان عسراً وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، كما قال تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإن الفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً».
*جماليات
يمكن الوقوف ابتداء عند مجموعة من الخصائص الفنية التي حققتها هذه اللوحة في صلتها بخط الثلث، الذي هو أهم وأجمل الخطوط قاطبة، بل وأصعبها، وقد تجلى في اللوحة لمحات واضحة من الجمال الفني الذي أبدعه ناصر الميمون، في تنفيذ تصميم يتميز بالمرونة والانسيابية، ويبدو أن الخطاط قد استوعب تماماً عبر تجربته الإبداعية في فن الخط، لما لخط الثلث من أهمية في رصيد تجربة الفنون الإسلامية، عن طريق حرصه على أداء الشكل الفني للحرف العربي وفق أصوله وقواعده المعروفة، وإظهار هذه الحروف بحلة من الجمال والرشاقة والتناسق بمقياس الحرف و من خلال تشكيل تقني مرتبط بقواعد خطية ثابتة وواضحة ضمن البناء الخطي الواحد. ومن جهة أخرى فقد تميزت هذه اللوحة باعتمادها على النسبة الذهبية في توزيع الحروف والمسافات، ما منحها طابعاً متميزاً، خاصة وأن الميمون قد حرص على تنفيذ مجموعة من خصائص هذا الخط لجهة عناصر التشكيل والتزيين والتداخل بين حروفه.
*تكوين
صمم ناصر الميمون هذه اللوحة الخطية، مراعياً كثيراً من جماليات خط الثلث، فلو توقفنا -على سبيل المثال- عند خاصية تشابك الحروف في الثلث، نجد الكثير من الحروف المتشابكة، فحرف العين في كلمة (مع) تشابكت مع حرف العين في كلمة (العسر)، كما جاء حرف السين في كلمة (يسر) مشبوكة مع (العين) كلمة (العسر) وكذلك الأمر بالنسبة لتشابك حرفي النون والعين في كلمتي (فإن) و(العسر)، وكذلك تشابك حرفي (الفاء) والنون) في كلمة (فإن) ذات الكلمة، وأيضا تشابك حرفي العين مع السين في كلمة (العسر) ويتواصل تشابك الحروف، مع الألف والسين في (يسرا) والسين والعين في العسر.
من جهة ثانية، فقد صمم الخطاط نقطتي الياء في كلمة (يسرا) بوضعهما فوق بعضهما بعضاً، وقريباً من من منتصف اللوحة فظهرت على نحو جميل، كما ظهر في اللوحة تصميم لافت في كلمة (يسرا) التي احتضنت عبارة (صدق الله العظيم) التي خطها ناصر الميمون باللون الأسود، كما قام بإبراز ألف كلمة (العسر) لتتوسط اللوحة بطول ملحوظ مقارنة مع بقية حروف الألف في الآية الكريمة.

*إضاءة
تعلم ناصر الميمون تعلم الخط وعشقه وعاشه فنهل من مناهله، ودرس بشكل شخصي على مدارس الخط المختلفة سواء من أساتذة المدرسة العراقية أو الإيرانية أو المدرسة التركية أو المدرسة المصرية، تميز في أعماله الفنية وأصبح متمكننا من قواعد الخط ملماً ومتقيداً بأصوله، أثرى الخط العربي، وكان نموذجاً يقتدى به في مهارة يده وعلو همته، فكان ولا يزال الأستاذ الملهم والعميد المحبوب للخط العربي في السعودية.
فاز بقرابة 30 جائزة محلية وعالمية، و له إسهامات في إنجاح مبادرة عام الخط العربي التي طرحتها وزارة الثقافة السعودية، قبل نحو عشر سنوات.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"