الشارقة: جاكاتي الشيخ
«خزانة الأدب وغاية الأرب» لابن حِجّة الحموي، كتاب أدبي مشهور، عمل مؤلفه على تقديم مادة ضخمة، سعى من خلالها إلى العناية بتحسين الأساليب الكتابية في الشعر والنثر، فكان له انتشار واسع بين المهتمين بهذا المجال، حيث لا تكاد كتب الأدب التي جاءت بعده تخلو من ذكره، أو إيراد بعض محتواه.
كان سبب تأليف ابن حِجّة لهذا الكتاب هو رغبته في شرح بديعيّته المُسماة «تقديم أبي بكر»، والتي يقول في مقدمته أنه أنشأها باقتراح من محمد بن البارز الجهني الشافعي، صاحب ديوان الإنشاء بالممالك الإسلامية في عصره، حيث طلب منه أن يؤلفها مُجارَاةً لعز الدين الموصليّ، وصفي الدين الحِلِّي، لإدراكه قدرَته على تقديم ما لم يُوّفقا إليه في بَديعيَّتَيْهما.
لم يكن اسم «خزانة الأدب وغاية الأرب» المشهور للكتاب حالياً اسمَه الأصلي، بل كان «تقديم أبي بكر»، وهو ما ذكره المؤلف نفسه مرّتين في الكتاب.
جمع المُؤلف في بديعيّته آنفة الذكر بين تضمين ألفاظ الأبيات المتناوِلة لنوع المحسّن اللفظي أو المعنوي، وبين رقّة الشعر وجمال نظمه، سائراً في ذلك على منوال سابِقيْه صفيّ الدين الحِلّي، وعز الدين الموصليّ، اللذين يرى الباحثون أنه زاد عليهما بتضمينه لبديعيّته في هذا الكتاب وشرحها، وما اقتضى ذلك الشرح من ذِكرٍ لتعريفات أنواع البديع وحدودها، حيث جاء منها ب 147 نوعاً بديعيّاً، كانت مصادره فيها أكثر من 100 كتاب، ذكرها كلّها، وأورد فيه كلّ ما يتّصل بموضوعه، بما في ذلك المناقشات التي كانت تدور بين البلاغيين، كما كان له الفضل في تسمية عدة أنواع من المحسّنات البلاغية، اللفظية والمعنوية، ليصير هذا الشرح المطوّل بمثابة موسوعة أودعها الكثير مما اطّلع عليه من علم ومعرفة، ونوادر، ومساجلات أدبية حدثت في عصره، فجمع بين اللغة، والأدب، والبلاغة، والنقد، والشعر، والنثر، والتاريخ، والتراجم، بالإضافة إلى كونه مصدراً فريداً لشعراء العصرين الأيوبي والمملوكي، ولذلك صار مرجعاً مهماً للكتب الأدبية والبلاغية والنقدية التي جاءت بعده.
منهج
حاول ابن حجة في بديعيَّته الاستفادة من جودة بديعيّتيْ الموصليّ والحِلّي، ومن قصورهما كذلك، فاستبعد كل ما أُخذ عليهما، وكان دقيقاً في بحثه وصارماً في استقصائه وتدقيقه، دون أن يمنعه ذلك من مراعاة الأسلوب الأدبي الرفيع، الذي سعى من خلاله إلى التأثير في ذوق القارئ، فكان ينظم البيت، ثم يذكر النوع البديعيّ الذي ضمّنه، فيتحدث عنه بإسهاب، فجاء أسلوبه بذلك جامعاً بين إفادة القارئ وإمتاعه بجماليات اللغة العربية، وكان حريصاً على تحديد كل الأنواع البلاغية والبديعية وتعريفها كما هي عليه، دون مبالغة، ومُكثراً من شواهد القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والشعر القديم، وشعر المولّدين، وشعر معاصريه الذي يقف عنده وقفات طويلة، حتى يبيّن ما يستحق الاستشهاد منه، بالإضافة إلى بعض الشواهد النثرية مما اتَّفَق العرب على فصاحته، مُحلّلا كلّ ذلك تحليلاً يبرز من خلاله حرصه على إرساء أساليب بلاغية تسمو بالذائقة الأدبية إلى أعلى مستوياتها، وكانت كثرة الشواهد في هذا الشرح سبباً في ظهور الكتاب ضخماً.
يقول أحمد ابن حجر العسقلاني عن هذا الكتاب: «هو مجموع أدب قلّ أن يوجد في غيره، ولعلّ مُقتنيه يستغني عن غيره من الكتب الأدبية، ولو لم يكن له فيه إلا جودة الشواهد لكلّ نوع من الأنواع، مع ما امتاز به من الاستكثار من إيراد نوادر العصريين، للضرب بها على غير أهلها، فإن مالكه مُرتفِع عنه كلفة العاربة، وهذا وحده مقصود لكل حاذق منصف».
طبع الكتاب عدة مرات، كانت أولاها من طرف مكتبة بولاق المصرية سنة 1273ه، ثم أخرى من طرف مكتبة الهلال في بيروت سنة 1987م، بشرح عصام شعيتو، ثم طبعة دار صادر في بيروت سنة 2001م، بأول تحقيق شامل له من طرف الدكتورة كوكب دياب.
إضاءة
تقي الدين أبو بكر بن علي بن عبد الله بن حِجّة الحموي، هو إمام أهل الأدب في عصره، ناقد بارز، وشاعر مُجيد من أهل حماه السورية، عاش ما بين 767ه - 1366م و837ه - 1433م، كان في صباه يعمل في صناعة الحرير، وعقد الأزهار فعرف ب «الأزراري»، ثم دخل مجال الأدب وبرع في فنونه، فزار مدينة القاهرة، والتقى علماءها، وملوكها، وكان يُظهر سرقات الشعراء، حتى تعرض لهجاء بعضهم، وقد ألّف أكثر من ثلاثين كتاباً، منها: «ثمرات الأوراق في المحاضرات»، و«مجرى السوابق»، و«تأهيل الغريب النثري»، و«تأهيل الغريب الشعري»، و«كشف اللثام عن وجوه التورية والاستخدام»، و«بلوغ المرام في سيرة ابن هشام والروض الأنف والأعلام».
يجمع بين إفادة القارئ وإمتاعه بجماليات لغتنا