عادي

عذب الكلام

23:35 مساء
قراءة دقيقتين

إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
في رحاب أمّ اللغات
من بدائع التشبيه، قول أَبي الفتح كُشاجم، في وصف رَوْضة:
غَيْثٌ أَتانا مُؤْذِناً بالخَفْضِ
مَتَّصِلُ الْوَبْلِ سريعُ الرَّكْضِ
فالأَرْضُ تُجْلى بالنَّباتِ الغَضِّ
في حَلْيِها المُحْمَرِّ والمُبْيَضِّ
وأَقْحُوان كاللُّجَيْن المَحْضِ
ونرْجسٍ زَاكِي النَّسِيمِ بضِّ
مِثْلِ العُيُون رُنِّقَت لِلْغمْضِ
تَرْنو فَيَغْشاهَا الْكرى فَتُغْضي
وقول ابن سِنان الخفاجِي في وصف حمامةٍ:
وهاتِفَةٍ في الْبان تُمْلي غَرامَها
عَلَيْنا وتَتْلُو مِنْ صبابَتِها صُحْفا
ولَوْ صَدَقَتْ فِيما تقُولُ من الأَسى
لما لَبستْ طَوْقاً وما خَضَبَتْ كَفَّا
دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
قُلْ لأسماء
المرقّش الأكبر
(بحر الخفيف)
قُلْ لأسماء أَنْجِزي الميعادا
وانْظُري أنْ تُزوِّدي منكِ زادا
أينما كُنتِ أو حَلَلتِ بأَرضٍ
أو بلادٍ أَحيَيْتِ تِلكَ البلادا
إنْ تَكُونِي تَرَكْتِ رَبْعَكِ بالشَّا
مِ وجاوَزْتِ حِمْيراً ومُرادا
فارْتَجِي أَن أَكونَ مِنْكِ قَريباً
فاسْألي الصَّادِرِين والوُرَّادا
وإذا ما رأَيْتِ رَكْباً مُخِبِّي
نَ يَقُودونَ مُقْرَباتٍ جِيادا
فَهُمُ صُحْبتِي على أَرْحُلِ المَيْ
سِ يُزَجُّونَ أَيْنُقاً أَفْرادا
وإذا ما سَمِعْتِ من نَحْوِ أرضٍ
بِمُحِبٍّ قد ماتَ أَو قِيلَ كادا
فاعْلَمِي غيرَ عِلْمِ شَكٍّ بأنِّي
ذاكِ وأبْكِي لِمُصْفَدٍ أَنْ يُفادى
ذاك أنِّي عَلِقْت منك جَوى الحُبِّ
وليداً فَزِدْتُ سِنّاً فَزادا
من أسرار العربية
في المتقابلات: الرُّؤبةُ للإِناءِ كالرُّقْعَةِ للثَّوبِ. الهالَةُ للقَمَرِ، كالدّارَةِ للشَمْسِ، الغَلَتُ في الحسابِ، كالغَلَطِ في الكلام. الدَسَمُ مِن كلِّ ذي دُهْنٍ، كالوَدَكِ من كلِّ ذِي شَحْم. العَقَاقِيرُ فيما تُعالجُ بِهِ الأدويةُ، كالتّوابِلِ فيما تُعالجُ بِهِ الأطعمةُ، والأفْواهِ فيما يُعالجُ به الطِّيبُ. البذْرُ لِلْحنْطَةِ والشَّعيرِ وسائِر الحبُوبِ، كالبزْرِ للرَّياحينِ والبقولِ. اللّفْحُ مِنَ الحرِّ، كالنَّفْحِ مِنَ البَرْدِ. الدَّرَجُ إلى فوْقُ كالدَرَكِ إلى الأسفل. الضًّعْفُ في الجسم، كالضَّعْفِ في العَقْلِ. الوَهْنُ في العظمِ والأمرِ، كالوَهْي في الثّوْب والحبْلِ. حَلا في فَمِي، مثلُ حَلِيَ في صَدْري. البصيرَةُ في القلْبِ كالبَصَرِ في العَين.
هفوة وتصويب
تَردُ كثيراً هذه العبارة: «وكان الفقيرُ يتسوّل في الطريق»، ويقصدون «يطلبُ معونة الناس»، وهي خطأ، لأن التّسوُّل: اسْتِرخاءُ البطن، والتّسوُّنُ مِثله. والسَّولُ: اسْتِرخاءُ ما تحْتَ السُّرَّة مِن البَطن، وَرَجُلٌ أَسْولُ وامْرأَةٌ سوْلاءُ وقَوْمٌ سُولٌ، قَاْلَ الْمُتَنَخِّلُ الْهُذَلِيُّ:
كالسُّحُلِ البِيضِ جَلا لَوْنَها
سَحُّ نِجاءِ الحَمَلِ الأَسْوَلِ
(السُّحُل: ثياب. والأسوَل: المسترخِي أسفل البطن)
والصواب: «كانَ يَسْألُ الناسَّ أو يَسْتَجدي»، والفَقيرُ يُسَمَّى سائِلاً، وجَمْعُ السّائِلِ الفَقِير: سُؤَّالٌ.
ويقولُ بعضُهم: «التقيتُ بِفلانٍ..»، وهي خطأ، والصوابُ: التقيتُ فلاناً، لأنّ التقى ولَقيَ، فِعلان يتعدّيان بنفسيهما، من دون حرف الجرّ. يقولُ قَيْسُ بنُ الْمُلَوَّحِ:
فإِنْ كانَ مَقْدُوراً لُقاها لَقِيتُها
ولَمْ أَخْشَ فِيها الكاشِحِينَ الأَعادِيا
من حكم العرب
وإذا تَخَيَّرْتَ الرِّجالَ لِصُحْبَةٍ
فالعاقِلَ البَرَّ السَّجِيَّةِ فاخْتَرِ
وإذا وَزَنْتَهُم فأحْكِمْ وَزْنَهُمْ
واعْرِفْ سَجاياهُمْ بِقَلْبٍ مُبْصِرِ
البيتان ليحيى بن زياد الحارثي، يقول إن انتقاء الأصحاب يجب أن يكون ببصيرة نافذة، وتعقّل، فضلاً عن العاطفة الصادقة، لأنّهم سيملأون الأيام بما يفعلون.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"