..«.. إن لم يكن لديك الإكليل، ضع كبرياءك فوق رأسك..» يقول الشاعر الإيراني أحمد شاملو، وإذا أردت، فإن الإكليل هي الأم، وفي طريقك إليها، أو، في طريقك إلى جانبها لا بدّ أنك تتذكر كيف وأنت طفل كنت تقبض على ذيل ثوبها وهي شابة، كأن قبضك على ثوب أمك هو حماية لك.. كلّما ترى ثوبًا، تمدّ يدك إلى طرف القماش.. أيها الطفل الذي كبر الآن، لا تدس برجلك حتى على ظلِّ امك.
تقول فروخ فرخ زاد إن حياة أمّها كلّها كانت سجادة صلاة ممدودة.. وتقول «أمي كانت تبحث دائماً في قاع كل شيء عن أثر للمعصية، وتعتقد أن كفر نبات واحد قد لوّث الحديقة».
كانت أمّي قصيدة إيمان، منذ أن كانت شابة في العشرين من عمرها، تحمل على رأسها حزمة حطب فتبدو كما لو أنها شجرة تمشي، وإذا جاع أبناؤها لم تكن تطبخ الحصى في قِدر التوتياء على نار هادئة، بل، كانت تتحوّل إلى ثمرة.. كانت رغيف خبز. امرأة من قمح وذرة في زمن القحط والجوع..
رأيت أمي في شعريات العالم، .. كانت أم الشاعر الأمريكي ثيلبرت ميلر خياطة ماهرة، دائماً ما تتفحص ثياب ابنها الذي كان كما يقول ابناً من حجر (الراين) الحجر الذي تستخدمه الخياطات من حجر الراين...
تجوع المرأة ولا تأكل بثدييها، وإذا جاعت تشتري ماكينة خياطة، .. الإبرة والخيط والقماش مهنة الأمهات الفقيرات.
الشاعر الصيني (كو اون) كان يرى أمّه بالقرب من سور الصين العظيم، على الرغم من أنها رحلت عن العالم قبل أعوام. الأم سور وباب وشرفة..
مكان الأم دائماً بالقرب من سرير، وعادة ما تغنّي، رسول حمزاتوف يقول لو لم تغنِّ لي أمي أغانيها وهي تهز سريري كقارب على الأمواج.. هل كان لهذا العالم أن يكون عزيزاً أو جميلاً؟؟؟
يقول رسول حمزاتوف، إن أباه كان يقول له: لا تمزح مع النار، وكانت أمّه تقول: لا ترمِ الحجارة في الماء...«في الصباح تعود من النبع بجرّتها المملوءة ماء. إنها تحمل الماء وكأنه أثمن ما في الوجود، ها هي ذي تصعد الدرجات الحجريّة، وتضع جرّتها على الأرض، وتبدأ في إشعال النار في الموقد»..
الأمهات هنّ أوّل الشعراء يقول شاعر داغستان الذي تربّى على رضاعة حليب امرأة جبلية، علّمته بلاده (الآفارية)، وأوصته ألّا يفرّط بلغته الأم..
الأمهات هنّ أيضاً أصل اللغات قبل الحليب، وقبل الأبجدية، ويقول الشاعر الكازاخي قادير ميرزا علي: إن كل شيء يبدأ من أمّه: «الكلمة الأولى، وبيت الشعر الأول».
قليل الأُمّهات كثير.. لا الذهب ولا الملح ولا اللؤلؤ أعزّ من هذا الإكليل الذي ترفعه على رأسك، وبه أنت كينونة ورجل، لكنك مهما كبرت فلا تترك ذيل الثوب يفلت منك، لكي لا تضيع..
عن الكاتب
المزيد من الآراء
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا
