العالم القاسي

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

يبدو العالم كله ساحة قلق، تضطرب كل أرجائه لأسباب مختلفة، لكنها كلها نتيجة حماقة البشر ورعونتهم في التعامل مع خيرات الطبيعة فيكون ثمرة ذلك الفقر، ومع مسارات الأحداث لينتنجوا سيناريوهات شيطانية تحصد الآمال والأرواح.
وعلى الدوام، تبقى الهجرة في مقدمة طرق الخلاص من تبعات الحماقة البشرية التي تضيّق الأوطان على أهلها وتفرض عليهم الفرار من وباء إلى وباء، ومن موت إلى موت.
ربما تكون الهجرة في بعض الأوقات خيار الحالمين وغير القادرين على احتمال مكاره بسيطة أو مشاكل عابرة، فتلقي بهم إلى التهلكة، وهي بديل وحيد لبعض من سُدت أمامهم أبواب الحياة، لكن على الجانب الآخر، هناك من يفضلون الفناء على التهجير القسري أو «الطوعي» وتتعلق أرواحهم بأرضهم التي يأتيها الموت من كل جانب، جوعاً ويأساً ولوعة فقدان وشتاتاً.
في كل الأحوال، المهاجرون هرباً من واقع أو مطاردة لحلم وراء الضفاف الأخرى، والمهددون بالتهجير، ضحايا عالم قاس تزداد فيه المعايير اختلالاً كلما توهم أنه أصبح أكثر تقدماً، ويقل فيه تمسّكُ بشرٍ في مواقع القرار بمعاني الإنسانية وتتبدل ضمائرهم مع تغير مصالحهم.
لا يمكن أن يبقى العالم رهين الهجرة والتهجير وأن تنعدم فيه خيارات أخرى لعيش البشر بأمان في أوطانهم مستمتعين بحقوقهم الأساسية، لا يرتحلون منها إلا بمشيئتهم بحثاً عن علم أكثر أو رزق أوسع.
لا نزال نلاحق تفاعلات ملف التهجير المسلّط على الفلسطينيين في غزة ويقتل خياراتهم الأخرى للحياة على أرضهم، ولا يمكن لأحد أن يرى نهاية مؤكدة للآراء والنوايا الآتية من كل صوب حتى تكتمل معركة الإرادات الإقليمية والدولية.
ما يمكن فعله مؤقتاً هو التأسي على الموزعين على مسارات الهجرة حول العالم وقد قضى منهم في عام 2024 نحو 9 آلاف شخص في تقدير دولي يعترف بأن عدد من ماتوا أو اختفوا أعلى بكثير مما أمكن رصده أو توثيقه. وليس في عداد هؤلاء المتوفين من غرقوا في البحر بعد أن أعادتهم إليه قوات خفر السواحل في دول قصدوها.
ومن الضحايا، وفق المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، عشرة في المئة ماتوا نتيجة أعمال عنف منها إطلاق النار والطعن والضرب ووسائل أخرى تقرها بعض الدول للتصدي للمهاجرين.
وكانت الطرق الآسيوية هي الأكثر فتكاً بالمهاجرين تليها طرق البحر المتوسط وإفريقيا التي تشمل الصحراء الكبرى في عام هو الأقسى عليهم، لكنه قد يفقد هذه الأفضلية السيئة لأعوام تالية إذا استمرت الحماقات البشرية المنتجة لدوافع الهجرة والمحرضة على الفرار بالنفس من هلاك إلى هلاك.
إن الهجرة من الملفات التي استنزقت وقتاً وجهداً في النقاش حولها وإبراز الحاجة إلى تعاون دولي يسد هذا الباب الحاصد للأرواح، لكنّ بعض العابثين باستقرار العالم لا يهتمون بالأمر بما يكفي، أو قدر اهتمامهم بإخراج الناس عنوة من ديارهم.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"