مواكبة الثقافة لعصر العلوم

01:26 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ينبغي طرح مثل هذا العنوان في بيئة فكرية ثقافية لا تعاني فيها القيم والمفاهيم اختلالات مفصلية؟ الثقافة غير المتوازنة هي تلك التي لا تنظر إلى الحياة بعدسة 360 درجة، تلك التي لا تكون كالدماغ السليم الذي يقود أوركسترا الجسم، مشرفاً على كل الخلايا، متحكّماً في كل تشابكاتها. حين تتجزأ الثقافة تظهر أشكال العطب والعطل. هكذا لا يعود عسيراً إدراك الاضطرابات التي تعانيها الثقافة العربية، في العصر الحديث. في عقود معدودات من التاريخ المعاصر، حاولت ثقافتنا، في القرن الماضي، كسر الحلقة المفرغة التي وقعت فيها طوال الألف سنة الأخيرة، ولكن سرعان ما مُنيت بعِصيّ شتّى في العجلات، داخلية وخارجية.
أليس غريباً أنّ أدمغةً يونانيةً فذةً، شبّت مواهبها وترعرعت عقولها، في مصر القديمة، وعندما أثمرت حقول علومها ومعارفها، كانت الحضارة الإسلامية هي الجسر الوثيق الذي عبرت القرون عبره إلى عصر النهضة الأوروبية، من المشرق والأندلس، فاستفاد الغرب وأفاد، ونما ونمّى، إلا أنّ الثقافة العربية عمليّاً لم يُصِبها وابلٌ، ولطالما أصابها الوبيل.
حديث الغرب عن «المعجزة اليونانية»، فيه شطط مفرط، فالمناهل التي كرعوا منها وعبّوا، منابعها في وادي الرافدين ومصر والهند. لكن، وقول الحق واجب، أبدع اليونانيون في ربط العلوم والمعارف، الفلسفة والرياضيات والموسيقى والفلك. انتقلت تلك الباقة الثقافية العلمية المعرفية، إلى فلاسفة الحضارة الإسلامية، وهكذا كان الكندي، الفرابي، ابن سينا، ابن باجة.. السؤال: لماذا تفكّكت منظومة تلك العلوم والمعارف في العالم العربي، طوال القرون الثمانية الأخيرة؟ الغريب هو أن بعض التفكيك والتهشيم استنبط له بعض المتطرفين ما يوهم بوجود سند تعطيل من التراث. عندما يسود الظلام يَصحّ قول جلال الدين الرومي: «العصا في يد الأعمى أوْلى من القنديل».
التحولات التي تستهدف الثقافة، تستدعي تمازج العلوم والمعارف، فالإنسانيات غدت مندمجةً في العلوم المتعددة التخصصات، كحاجة الآثار والأنثروبولوجيا والإحاثة، إلى البيولوجيا والوراثة والكيمياء الحيوية، بل تتعدى ذلك إلى فيزياء الكم التي دخلت الفنون التشكيلية والموسيقى، وانصهر الكل في الذكاء الاصطناعي. يقول أينشتاين: «إن الخيال أهمّ من المعرفة». أضحى الذكاء الاصطناعي ظامئاً إلى تعاون الخيال مع الخوارزميات لتنطلق الخوارق نحو ريادة آفاق لم ترتدها أذهاننا في «كان يا ما كان».
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستشرافية: في مقبل السنين، على ثقافتنا ألا تنسى «كان يا ما كان»، لكن، أن تحلم علميّاً بالآتي: «سيكون يا ما سيكون».
[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"