ربما نتخلى عن السيارات قريباً، فهي مع ارتفاع تكاليفها وزحمة الطرقات تنتفي الحاجة إليها، فأي مشوار لا يزيد على خمسة كيلومترات يحتاج إلى ما لا يقل عن نصف ساعة، وإذا كان المشوار عشرة كيلومترات فالزمن قد يصل إلى ساعة، وإذا كنت على الطريق الذي يسمى بالسريع كالذي يربط بعض الإمارات ببعضها فأنت والسلحفاة صنوان لأن السير واقف والسيارة مش عم تمشي.
والموضوع لا ينتهي عند الزحمة ورسوم الطرق، بل يمتد إلى تأثيرات أخرى، مثلاً إذا وصلت بالسلامة إلى وجهتك في المدينة فالبحث عن موقف قصة أخرى، وإذا صادفك الحظ ووجدت موقفاً فسرعان ما تجد من هو أسرع منك ويحتل الموقف قبلك، فالماشي عندنا هو شعار من سبق لبق، في المواقف، والطرقات كذلك مع السيارات التي تقفز أمامك والأخرى التي تنحرف فجأة دون مراعاة خلو الشارع مما يجعلك فعلياً في ساحة حرب تحيطك الأخطار من كل جانب، كل هذا طبعاً له توابع من ارتفاع الكورتيزول في الدم إلى ارتفاع الضغط والتوتر ونشفان الريق وألم الظهر والساقين والبقية تعرفونها.
والمضحك المبكي هو ما تجده على الطرقات السريعة من سلاحف تتخذ دائماً من المسار السريع الثاني طريقاً لها. هذه السلاحف عادة سيارات صغيرة بيضاء أو رصاصية من الصعب رؤية من يقودها لأنه يغوص في الكرسي، ويقود المحروسة بسرعة منخفضة جداً، وأعتقد والله أعلم أن هذه الفئة من السائقين الذين حصل أغلبهم على رخص القيادة عندنا يعتقدون أن هذا المسار السريع محجوز لهم حتى بات هذا المسار فعلاً ملكاً خاصاً بهم مع ما يتسببون فيه من ربكة في السير ونرفزة السائقين الآخرين الذين لا يملكون سوى ضرب الهرنات من خلف هذه السلاحف والتدييم بلا فائدة إذ السلاحف تأبى الخروج من المسار وإذا خرجت مؤقتاً فلكي تعود إليه ثانية على وجه السرعة. والواضح أن سائقي هذه السيارات التي في بالي وبالكم لا يستخدمون المرآة الأمامية لرؤية ما يجري خلفهم أو أنهم لا يعرفون أن هذه المرآة لها وظيفة مهمة وإلا ما تكبدت مصانع السيارات صناعتها.
والحمد لله أنه مع كل هذه النرفزة وحرق الأعصاب على الطرق فإن الحوادث تراجعت، وذلك ليس لأن السائقين صاروا مهرة بل لأن السيارات صارت أكثر ذكاء من الإنسان نفسه مع وجود قرون الاستشعار فيها والحساسات التي تساعد السائق على حسن القيادة وعلى سلامة الطريق.
ولا ننسى بالطبع سيارات التكسي و«أوبر» التي صارت فعلياً تمتلك الطرقات داخل المدينة ولا تراعي أبسط قواعد السير من الالتزام بالسرعات المقررة، فهذه إما بطيئة تسير على مهل وإما مسرعة خارج المألوف، ثم هناك بالطبع دراجات التوصيل، التي تتقافز في الطرقات وتلتصق بالسيارات من خلف وتراوغ وتناور وهي تسابق الوقت لتوصيل الطلبيات فتفوز ب «الكوميشن». فضلاً عن الوضع داخل الأحياء السكنية التي وصلتها هي أيضاً أمراض الطرق، خاصة الاختناقات عند مداخلها ومخارجها، يا لطيف.
وعلى ذكر وضع الطرق في العالم فإننا في الحقيقة حين نسافر ونستأجر سيارة في أي منها للاستخدام والتنقل لا نشعر بهذا القدر من التوتر وحرق الأعصاب والنرفزة، ذلك لأن الازدحام إن وجد فهو معقول وآداب السياقة وبروتوكول الطرقات على أكمل وجه والناس تقود سياراتها بهدوء وفي أدب مما يجعل قيادة السيارة هناك آمنة علاوة على أنها ممتعة فعلاً.
في الماضي كانت السياقة عندنا متعة أيضاً أيام كانت أعداد السيارات قليلة والطرقات بسيطة، وأي مشوار في المدينة لا يتعدى الدقائق، نقضيه ونحن نستمع إلى مطربنا المفضل طلال أو ميحد أو الدوخي أو عبدالحليم أوفريد وغيرهم، يا لتلك الأيام وتلك السيارات والطرقات، التي ما إن تحسنت مع وجود أربعة مسارات على الأقل في كل طريق وجسور وأنفاق وإشارات مرور حتى ساءت معها السياقة وصارت خطرة ومحطمة للأعصاب على النحو الذي نراه ونعيشه حالياً.
لذلك فقرار التخلي عن السيارة لن يكون طواعية بل كرهاً وجبراً، خاصة إذا عرفت وحسبت فوائد هذا التخلي على الصحة النفسية والجسدية والمالية معاً، فالطرقات لم تعد لنا للأسف، والأهم لنا صحتنا وراحة بالنا.
مقالات أخرى للكاتب

قد يعجبك ايضا







