كان من اللّافت للشعراء على وجه الخصوص خُلوُّ مسلسل معاوية بعد انتهاء حلقاته من حضور طبقة الأدباء ورجال ديوان العرب في بلاط الخليفة والملك الأول في الدولة الأموية، فلا شعراء يفدون على الخليفة، ولا أخبار عنهم يسأل عنها أو يتقصّاها لا معاوية ولا ولاته ورجال حكمه في الكوفة والبصرة ومصر وحتى الشام، وبدا المسلسل سياسياً تماماً، قائماً على جوانب كثيرة من السيرة الذاتية لمعاوية أحد أكبر دهاة العرب، ورجل دولة بليغ الخطاب السياسي إلى حدود اقترابه من لغة الأدب، ومع ذلك.. لا شعراء في المسلسل الذي وصلت تكلفة إنتاجه إلى ملايين الدولارات.
كان عصر معاوية وما تلاه أو سبقه بقليل من الزمن عصر فحول كبار في تاريخ الشعر العربي، ومنهم من عاش ثلاثة أزمنة: الجاهلية، والخلافة الراشدة، وبداية العصر الأموي، ومنهم من كان نجماً في زمن معاوية بالذات، ومع ذلك، لم يظهر أي دور لهؤلاء الأدباء والشعراء لا في الدولة ولا في المجتمع، ولا بوصفهم نخباً مقرّبة، كالعادة، من ولاة الحكم الذين كان يختارهم معاوية، ويطلق لهم يد الحرية الكاملة في السلطة والنفوذ.
كانت فترة حكم معاوية وما تلاها من خلفاء وبني أمية فترة شعراء الحب العذري: (قيس بن ذريح، قيس بن الملوّح، عروة بن حزام، كثير عزة، وضّاح اليمن، ومالك بن الريب)، وتروي كتب تاريخ الأدب أن ليلى الأخيلية (توفيت 704 ميلادية) رأت معاوية بن أبي سفيان، وهي قد عرفت بقصة حب جمعتهما مع رجل يدعى (توبة بن الحمر)، وَيُروى أنه حين ذكرت قصة عروة بن حزام وحبّه لابنة عمّه عفراء، وقد مات عشقاً أمام معاوية قال: «لو علمنا بهذين الكريمين لجمعنا بينهما».
عاش ذو الرّمة فترة من حياته في خلافة معاوية (696_ 735)، وهو الآخر وراءه قصة حب، وفي عهد معاوية أيضاً عاش مالك بن الريب الذي حارب مع سعيد بن عثمان بن عفان حين ولّاه معاوية أميراً على خراسان كما جاء في مصادر تاريخ الدولة الأموية التي شهدت مرحلة السجالات الشعرية الكبرى بين جرير والفرزدق، وفي زمن الدولة الأموية ظهر الأخطل، ووضاح اليمن صاحب الغراميات الخطرة والتي كانت إحداها سبباً في مصرعه.
مرحلة شعرية عربية بكامل مكوّناتها الدرامية والفروسية والإنسانية كانت في الإطار العام للمرحلة السياسية وللدولة الأموية بدءاً من مؤسسها معاوية وانتهاء إلى بدايات ظهور الدولة العباسية، ومن شاهد مسلسل معاوية كاملاً يدرك أن هذه المرحلة الشعرية ساقطة من المسلسل، وليس لها أي قيمة ثقافية أو درامية.
شاعرة واحدة ظهرت في المسلسل هي ميسون بن بحدل التي تزوجها معاوية، وحين ضاقت ذرعاً بحياة المدنية الشامية بعيداً عن مضارب أهلها البدو وأنشأت قصيدة بهذا المعنى واعتبرها معاوية إهانة له.. طلّقها، وعادت إلى البادية غير آسفة ولا نادمة على حياة الملوك.
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







