مايك دولان *
غالباً ما تكون تصحيحات الأسهم مجرد اختبارات واقعية، تُمكّن في النهاية الأسواق الصاعدة من الاستمرار، حيث يُقبل المستثمرون على الشراء عند انخفاض الأسعار. لكن هذه المرة، يبدو أن مديري الأصول العالميين حذرون من العودة إلى شركات التكنولوجيا العملاقة في «وول ستريت».
لقد شعر المستثمرون بالدوار بعد شهر مضطرب من مخاوف تتعلق بالرسوم الجمركية، والركود الأمريكي، وتراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500، فضلاً عن إعادة هيكلة المالية العامة في أوروبا. وقد رصد استطلاع «بنك أوف أمريكا» الشهري لمديري الصناديق حجم الاضطراب الحاصل في المحافظ الاستثمارية الأسبوع الفائت.
وأظهر الاستطلاع، الذي يحظى بمتابعة دقيقة من مديري الأصول العالميين، أكبر انخفاض شهري في الانكشاف للأسهم الأمريكية في تاريخه الممتد على مدى 25 عاماً، وهو انخفاض هائل بلغ 40 نقطة مئوية، ما جعل صافي 23% من المشاركين يُقللون من وزن استثماراتهم.
وإذا كنت تتساءل أين ذهبت هذه الأموال، فانظر إلى الجهة المقابلة من المحيط. حيث ارتفعت مخصصات أسهم منطقة اليورو بمقدار 27 نقطة، وأصبح 39% منها أكثر تفضيلاً، وهو أعلى مستوى في أربع سنوات.
حتى الآن، هذا هو الوضع عبر الأطلسي. ولكن بالنسبة لمن يعتقدون أن مخاوف التباطؤ الاقتصادي الأمريكي مبالغ فيها، أو أن القلق في استطلاعات رأي الشركات والمستهلكين لا يقابله بيانات دقيقة عن المصانع أو تجارة التجزئة، فقد يبدو هذا وقتاً مناسباً لإعادة التفكير.
ومع ذلك، قدم استطلاع «بنك أوف أمريكا» الكثير من الأمور التي تستحق الدراسة، مسلّطاً الضوء على مجموعة متنوعة من المخاوف الأخرى بشأن السياسات التجارية والاقتصادية الأمريكية غير المنتظمة، ومخاطر النمو العالمي، ومخاوف الركود التضخمي، والنفور المستمر من السندات في ظل مخاوف أسعار الفائدة والديون.
والأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمتفائلين في سوق الأسهم هو أن المستثمرين لا يزالون يعتقدون أن أسهم ما يسمى ب «العمالقة السبعة»، وهي أبل وإنفيديا ومايكروسوفت وأمازون وألفابت وميتا وتيسلا، في الولايات المتحدة مملوكة بشكل مفرط، حتى بعد واحدة من أسوأ فتراتها التي استمرت أربعة أسابيع، مع انخفاض بنحو 20% في التقييم الجماعي لهذه الشركات عن أعلى أسعارها على الإطلاق. وبالفعل، وللشهر الرابع والعشرين على التوالي، صنّف مديرو الأصول التداول طويل الأجل لعمالقة التقنية هؤلاء على أنه أكثر الصفقات ازدحاماً في العالم.
وحتى لو ظلت تقييمات الأرباح المستقبلية لمؤشر ناسداك المركب، الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، مرتفعة تاريخياً، إلا أنها تُمثل أدنى مستوياتها في خمس سنوات مقارنةً بمؤشر ستاندرد آند بورز الإجمالي.
ومع ذلك، ثمة نقطة تحول لكل شيء، وهناك سببان رئيسيان يجعلان من المعقول اعتبار شركات التكنولوجيا الكبرى مكتظة للغاية. الأول هو أن الاضطراب الاقتصادي الأمريكي يُجبر أوروبا والصين على تحفيز غير مسبوق، حيث تقييمات أسواق الأسهم أرخص بكثير من «وول ستريت». بالنسبة للكثيرين، قد تكون «التداولات القيّمة» العالمية مغرية للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها.
وبهذا الخصوص، لا يزال مؤشر ستوكس 600 الأوروبي يتداول بخصم هائل يبلغ 36% مقارنةً ب «إس آند بي»، حتى بعد التقلب الأخير، ولا يزال مكرر ربحيته المستقبلية أقل بنحو 50% من مؤشر ناسداك 100. وعلى الرغم من نمو أسهم هونغ كونغ هذا العام نتيجة اختراق شركة ديب سيك الصينية، إلا أنها لا تزال أرخص بنحو 55% من المؤشر القياسي الأمريكي.
والسبب الثاني الذي قد يدفع أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى إلى مزيد من الانخفاض هو ما يحدث في الاحتياطي الفيدرالي. فلطالما كانت أسهم هذه الشركات بمنأى عن مخاوف الركود نظراً لحساسيتها لأسعار الفائدة. إنها أسهم «طويلة الأجل»، ما يعني أن تقييماتها تستفيد بشكل غير متناسب من انخفاض أسعار خصم الأسهم.
لكن تهديدات التعريفات الجمركية التي تُثير مخاوف التباطؤ هذه المرة قد تُفاقم التضخم المرتفع بالفعل بقدر ما تُفاقم النمو. في المقابل، قد تكون أيدي الاحتياطي الفيدرالي مقيدة الآن أكثر من ذي قبل، ما يُلغي أحد مصدات الركود المحتملة لقطاع التكنولوجيا. ومما لا شك فيه هو مدى تأثير الشركات ذات الصلة على سوق الأسهم الصاعدة نظراً لوزنها الثقيل في المؤشرات. فلا تزال أسهم العمالقة السبعة تُمثل مجتمعةً ما يقرب من 30% من القيمة السوقية لمؤشر ستاندرد آند بورز 500. لذا، فإن أي ضغوط على التكنولوجيا الآن قد تنعكس ضغوطاً كبيرةً مماثلةً على القطاع بأكمله.
وفي ظل هذه المعطيات، يبقى مستقبل أسواق الأسهم، خاصة شركات التكنولوجيا الكبرى، رهيناً بعوامل متعددة، تتراوح بين سياسات الاحتياطي الفيدرالي، والاضطرابات الاقتصادية العالمية، واتجاهات المستثمرين في البحث عن بدائل استثمارية أكثر جاذبية. ومع استمرار الحذر السائد بين مديري الأصول، يبدو أن الأسواق أمام مرحلة اختبار حقيقي قد تعيد رسم خارطة الاستثمارات العالمية. وبينما تتأرجح كفة المخاطر والفرص، فإن التحولات المقبلة قد تفرض واقعاً جديداً على «وول ستريت»، يجعل من التكيف السريع مع المتغيرات الاقتصادية والمالية أمراً حتمياً للمستثمرين وصناع القرار على حد سواء.
*محرر الأسواق المالية في «رويترز»