عادي
في شاعرية البصر

المعنى يسمو بالروح في «الديواني الجلي»

00:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
فاطمة البقالي

يعمل الكثير من الخطاطين عبر مختلف أقلام الخط العربي على تمثل القيم والأخلاق الإسلامية السمحة، وكذلك الفضائل النبيلة المستمدة من الحكمة والأمثال والشعر العربي، حيث إن العديد من التكوينات واللوحات هي محاولة للتعبير عن تلك المعاني القيمة.
الشارقة: علاء الدين محمود
ويأتي قلم الديواني الجلي بصفته واحداً من محاولات التعبير الإبداعي عن المشاعر الروحية الدينية المسكونة بالألق والجمال والمعاني السامية، فهذا الخط هو نتاج القلم الديواني، وهو دليل على محاولة الإبداع داخل الخطوط القديمة مع الحفاظ على القواعد المتعارف عليها في هذا الخط، فهو يمتلك ذات المميزات والسمات التي في الخط الديواني من حيث الاعتماد على استدارة الأحرف وتشابكها وتداخلها في فضاء اللوحة مع تميزه بكثرة علامات الزخرفة التي تردم الفراغات بين الحروف، لذلك اعتبر بين الفنانين بصفته خطاً زخرفياً بامتياز، ولطالما استخدم هذا الخط في البطاقات والعملات الورقية والشهادات العلمية، وغير ذلك لما فيه من خصائص جمالية.
ظهر «الديواني الجلي»، في نهاية القرن 10هـ/16م بداية القرن 11هـ/17م وقد أبدعه الخطاط التركي شهلا باشا، وهناك عدة أساليب يكتب بها هذا الخط، فهناك العثماني، والمصري الذي عرف به الخطاط غزلان بك، ونسب إليه فصار يعرف بالخط الغزلاني، وتتميز حروفه بطولها أكثر من العثماني، وأيضاً قابلية هذه الحروف للمرونة والمطاوعة والمد، وهناك الأسلوب العراقي الذي اشتهر به الخطاط هاشم البغدادي، ويجمع ما بين الأسلوبين المصري والعثماني، وذلك يتيح إمكانية كبيرة في التسطير مع المقدرة على صناعة التكوينات داخل مشهد اللوحة مع مراعاة القواعد المتعارف عليها.
انسيابية
الانسيابية هي الميزة الأساسية في تكوينات «الديواني الجلي»، حيث تتمدد الأحرف وتتقوس وتلتقي وتشكل كتلة موضوعية واحدة، وتساعد تلك الانسيابية على عدم التزاحم بين فضاءات الحروف المختلفة، فالمرونة التي يتميز بها هذا القلم جعلته يمتلك فضاءات تعبيرية واسعة، كما يتميز كذلك بتنوع أشكال الحروف، حيث إن في الإمكان كتابة ذات الحرف الواحد بصور مختلفة بحسب التكوين والفضاء المعين، وما يمنح اللوحة الأبعاد الجمالية المتألقة هو الحركات التزينية والإعرابية التي تستخدم بشكل كبير في تكوين اللوحة، إضافة إلى التنقيط الذي يعطي الأعمال في «الديواني الجلي»، بعداً وطابعاً زخرفياً يسهم في عملية التوازن والاشتغالات على فضاء العمل بما ينتج شكلاً مميزاً، حيث إن التنقيط يستخدم في إظهار شكل الخط، وكذلك في ملء فضاء اللوحة وفي منح العمل وحدة موضوعية.
زخرفة
ولعل من الأشياء الملاحظة في تكوين لوحات وأعمال «الديواني الجلي»، هو أن الزخرفة وتزيين العمل بالأشكال وعلامات وحركات الإعراب والتنقيط والنقوش وغير ذلك من أشكال بغرض التزيين، غالباً ما تجعل اللوحة عصية على القراءة، حيث يتطلب فهم العمل قدراً من الخبرة على فهم كيف يتكون الخط الديواني الجلي، عبر التركيز على النص من خلال حركة الحروف، ولابد من ذلك الأمر، حيث إن جماليات العمل لا تكتمل إلا بالقدرة على قراءة النص.
الخطاطة الإماراتية الراحلة فاطمة البقالي، لها العديد من الإسهامات الخطية البارزة، ومن أعمالها واحدة استخدمت فيها الديواني الجلي، للآية القرآنية «وربك فكبر»، من سورة المدثر، وتتضمن معان قرآنية غاية في الأهمية والجلال، حيث تشير إلى تخصيص الله جل وعلا بالتكبير والتعظيم، وعملت الخطاطة فاطمة البقالي على التعبير عن هذه المعاني العظيمة في اللوحة من أجل صناعة عمل فني يتميز بالجمال والأبعاد الروحية مستفيدة من خصائص الديواني الجلي المتعددة.
تكوين
كتبت فاطمة البقالي، النص باللون الأزرق المشرق البهي، لتخرج بشكل هندسي بديع ومستدير، مع تكرار الآية، وكأنه هالة من الضوء وفيض من الأنوار، على خلفية باللون الأصفر تسهم في إبراز التكوين في مشهد اللوحة، مع وضع أشكال وعلامات باللون الأخضر الزاهي في منتصف العمل ليمنح بعداً جمالياً، ليكون المتلقي في حالة من الألق الروحي وهو يتأمل جماليات اللوحة ومعاني النص ودلالاته الكبيرة، ولعل تخصص البقالي في الزخرفة الإسلامية أسهم كثيراً في هذا التكوين الجمالي البديع.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"