عادي

«تسريبات سيغنال» فضحته.. هل يكره نائب ترامب أوروبا حقاً؟

22:48 مساء
قراءة 7 دقائق

إعداد: محمد كمال
لا تتوقف تداعيات «فضيحة تسريبات سيجنال» عند حدود الولايات المتحدة الأمريكية، بل امتدت لتلقي بظلال الشك والقلق بين صفوف الحلفاء الأوروبيين، بعد الكشف عن طريقة تفكير إدارة الرئيس دونالد ترامب، وخصوصاً نائبه جي دي فانس بشأن أوروبا، حيث وضع بعض المحللين ما كتبه خلال مراسلات المجموعة المشفرة في إطار «كره أوروبا»، كما استدل به آخرون على مخالفته للسياسة الخارجية المعلنة للرئيس ترامب.
وفي وقت تحاول إدارة ترامب التخفيف من تداعيات «فضيحة التسريبات» الخاصة بخطط عسكرية، والتي كشفها رئيس تحرير صحيفة ذا أتلانتك جيفري غولدبرغ، فإن جهود فانس تبتعد عن الاختراق الأمني، لصالح التركيز على إثبات مدى انسجامه مع السياسة الخارجية لترامب، رغم ظهوره خلال المحادثات كمعارض نوعاً ما لسياسات ترامب.
وفي محادثة سيجنال، ووفقاً لتقرير غولدبرغ، أخبر فانس المسؤولين الآخرين أنه يعتقد أن توقيت عملية اليمن كان «خطأً». وجادل بأن الدول الأوروبية استفادت بشكل كبير من جهود البحرية الأمريكية لحماية ممرات الشحن من هجمات الحوثيين، وبدا وكأنه يتساءل عما إذا كان ترامب يدرك العواقب المحتملة لهذا الإجراء.
وقال فانس نصاً: «لست متأكداً من أن الرئيس (ترامب) يدرك مدى تناقض هذا مع رسالته بشأن أوروبا في الوقت الحالي»، ثم أوضح وجهة نظره قائلاً: «إن التوقيت غير مناسب لشن هذه الضربات حالياً، وربما من الأفضل تأجيلها شهراً، وقال نصاً: «ثمة خطر حقيقي في أن الرأي العام الأمريكي لا يدرك سبب تدخلنا»، ملمحاً إلى ضرورة التأجيل لإعداد خطاب سياسي يبررها. لكنه استطرد: «أنا على استعداد لدعم إجماع الفريق، وسأحتفظ بهذه المخاوف لنفسي». وعندما جادل آخرون لصالح الضربات، قال فانس إنه سيدعمها، لكنه أضاف: «أنا أكره إنقاذ أوروبا مرة أخرى».
كما أضاف فانس: «أن الولايات المتحدة تتحمل عبئاً يفترض أن يقع على عاتق أوروبا، مشيراً إلى أن 3% فقط من التجارة الأمريكية تستفيد من هذه الضربات، في إشارة إلى اعتماد أمريكا بنسبة 3% فقط على هذا الممر البحري، بينما تعتمد أوروبا عليه بنسبة 40%»، وهو ما يعكس موقف فانس المتشدد تجاه أوروبا، حيث سبق أن وصف حلفاء مثل بريطانيا وفرنسا بأنهم مجرد «دول عشوائية لم تخض حرباً منذ 30 أو 40 عاماً».
وفي وقت ينظر ترامب إلى العلاقة مع أوروبا من منظور براغماتي قائم على الضغط لزيادة إنفاقها الدفاعي، يبدو أن فانس أكثر تشدداً، إذ يرى أن الحلفاء الأوروبيين يتبنون قيماً «لا تتوافق مع الولايات المتحدة». وقد حاول وزير الدفاع الأمريكي بيت هجسيث تهدئة النبرة تجاه أوروبا، أما مستشار الأمن القومي مايك والتز صاحب التوجه التقليدي في السياسة الخارجية، فقد أكد أن «الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على إعادة فتح الممرات البحرية»، لكنه أيد فرض تكلفة على أوروبا مقابل التدخل، لكن تم وضع حد للنقاش بالقول إن ترامب «أعطى الضوء الأخضر».


ترامب يسأل فانس 


أتاحت هذه المحادثة شديدة الحساسية، التي عُقدت خارج قناة حكومية آمنة، لمحةً واضحةً عن نهج فانس في المناقشات مع مسؤولي الأمن القومي، وعن إحباطه من أوروبا، إلا أن ردّ فريقه كان دليلاً آخر على مدى عدم الترحيب بالخلافات السياسية في إدارة تُعطي الأولوية للولاء لترامب، مستشهداً بأنه خلال الحملة الانتخابية وبعدها كان من أشد مؤيدي توجهات ترامب كما هاجم كثيراً منتقديه.
وبعد نُشر التفاصيل يوم الاثنين، نقلت مجلة «ذا أتلانتيك» عن ويليام مارتن، المتحدث باسم فانس، قوله إن نائب الرئيس كان منسجماً تماماً مع ترامب، وأضاف: «إن الأولوية القصوى لنائب الرئيس هي ضمان إطلاع مستشاريه بشكل كافٍ على فحوى مداولاتهم الداخلية». واستطرد: «يدعم فانس السياسة الخارجية لهذه الإدارة دعماً قاطعاً. وقد أجرى الرئيس ترامب ونائبه محادثات لاحقة حول هذه المسألة، وهما متفقان تماماً».


هل يكره البيت الأبيض أوروبا؟ 


وبحسب بعض المحللين، فإن تسريب محادثات سيجنال الجماعية لم يكن مجرد زلة استخباراتية، بل كشف أن أمريكا سئمت مما وصفته «الاستغلال» الأوروبي، ووفق ما ذكرت صحيفة تليغراف، فإنه بالنسبة للمسؤولين الأوروبيين والبريطانيين، كان الجانب الأكثر إثارة للقلق في هذه القضية الاستثنائية هو الصوت المعارض الوحيد في المحادثة والمتعلق بفانس. 
ويرى محللون أن أول ما يجب أن يتذكره القادة الأوروبيون هو أن توجهات فانس، في هذا الصدد على الأقل، تنتمي إلى التيار السائد في أمريكا رهناً، حيث يعد الانزعاج من انخفاض الإنفاق الدفاعي في القارة العجوز تقليداً سياسياً أمريكياً مشتركاً بين الحزبين. وقد أثاره الرئيس الراحل جون كينيدي في ستينيات القرن الماضي.
وبعد حوالي 50 عاماً، في عام 2011، حذّر وزير الدفاع في عهد باراك أوباما، روبرت غيتس، من مستقبل قاتم، إن لم يكن كئيباً، ما لم يُبادر حلفاء واشنطن في الناتو إلى زيادة الإنفاق. وواصل كلٌّ من دونالد ترامب وجو بايدن هذا التوجه.
وقبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حذّر خبراء الدفاع البريطانيون والأوروبيون حكوماتهم من أن كامالا هاريس ستشعر بنفس الانزعاج من اختلال التوازن، تماماً كما شعر ترامب، في حال فوزها بالرئاسة، وإن كان ذلك بشكل أكثر تهذيباً.
وقد ذهب ترامب نفسه إلى حد التهديد بعدم الدفاع عن أعضاء الناتو «المتأخرين» في سداد مستحقاتهم، وهو تدخلٌ دفع ببعض الزيادات السريعة في الإنفاق الدفاعي. ومع ذلك، ثمة شعورٌ بأن عداء فانس الشخصي تجاه أوروبا، لاسيما بين المقربين من ترامب، يبدو أنه يتجاوز هذا الإجماع بكثير. وبحسب تليغراف، فإنه في نهاية المطاف، لا يرى نائب الرئيس الأمريكي أوروبا كقارةٍ مُتطفلة فحسب، بل تُدار من قِبل نخبةٍ تُخالف القيم والمصالح الأمريكية الأساسية.
واستعاد البعض تصريحات فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير الماضي، حيث هاجم قادة أوروبيين بشدة، لما وصفه بحملةٍ قمعٍ على حرية التعبير والسياسيين المحافظين الشرعيين، وقال آنذاك: «إذا كنتم تترشحون خوفاً من ناخبيكم، فلا شيء يُمكن لأمريكا أن تفعله لكم، ولا حتى أي شيء يُمكنكم فعله للشعب الأمريكي الذي انتخبني وانتخب الرئيس ترامب».
ولم يكن فانس الوحيد في هذا التوجه، فقد طوّر هذه الآراء على مدى سنوات عديدة إلى جانب مجموعة من المستشارين ذوي التوجهات المشابهة، وكثير منهم، مثل فانس، من قدامى المحاربين، الذين عادوا إلى ديارهم بخيبة أمل عميقة من حكمة وفعالية إبراز القوة العسكرية الأمريكية في الخارج. ويشغل العديد منهم مناصب مؤثرة في الإدارة.


هل تختلف توجهات فانس عن ترامب؟ 


ليس من الصعب فهم هذا المزيج من الغضب الأمريكي من الأوروبيين، لكن طريقة التعبير قد أبعدت حتى الحلفاء الطبيعيين، ومن بينهم نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح في بريطانيا والمعجب الصريح بترامب، حيث انتقد فانس بعد أن بدا يرفض بريطانيا (ينفي لاحقاً أنه فعل ذلك) باعتبارها «دولة عشوائية لم تخض حرباً منذ 30 أو 40 عاماً» في وقت سابق من هذا الشهر.
لكن نشأة فانس في منطقة «الحزام الصدئ» الأمريكية تعني أنه ربما يشعر بأنه أقل ارتباطاً بأوروبا من الرئيس ترامب نفسه الذي تربطه صلاتٌ مُعلنةٌ ببريطانيا على وجه الخصوص، وآخرين في حكومته، كما يشير فاراج.
ولدى ترامب ارتباط عاطفي قوي بالمملكة المتحدة، ويعود ذلك كله إلى والدته ولعبة الغولف والعائلة المالكة، وقائمة طويلة، كما أن النشأة في نيويورك، تجعلك محاطاً بالإنجليز، أما في الغرب الأوسط الأمريكي فالأمر مختلفٌ تماماً، ومن ثم فإن لفانس منظوراً مختلفاً تماماً. وفي مذكراته الأكثر مبيعاً لعام 2016، «مرثية ريفية»، يشرح فانس لامبالاته بأوروبا الناتجة عن نشأته في بيئة محرومة: لماذا ينبغي لأمريكا أن تهتم بالعالم بينما لا تستطيع رعاية الأمريكيين؟.
ومع ذلك، فإن تصريحاته في ميونيخ، وفي المكتب البيضاوي عندما واجه فولوديمير زيلينسكي، وفي محادثة سيجنال المسربة، تُظهر أكثر من مجرد لامبالاة. وربما يرتبط ذلك بنفوره الشديد من «الاستغلال» الذي يصفه في مذكراته. ويتناول جزء كبير من مذكراته هروبه من ثقافة التبعية التي يُحمّلها مسؤولية محنة مجتمع فقير نشأ فيه.


هل أوروبا تحتضر؟ 


قد يكون فانس مدفوعاً بكراهية فلسفية وعاطفية للمشروع الأوروبي كما يراه، لكن المقربين من نائب الرئيس المعجب بأمثال فيكتور أوربان السياسي المجري يرفضون فكرة أنه «معادٍ لأوروبا». ويقول جيمس أور، أستاذ الفلسفة في جامعة كامبريدج: «لا يعارض فانس أوروبا أكثر من 17.4 مليون شخص صوّتوا ضدها عام 2016 خلال استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».
ويضيف: «عندما نقول أوروبا، يجب فهم أن فانس يقصد قيادة الاتحاد الأوروبي.. لا يوجد حلفاء أبديون. هناك فقط مصالح أبدية. إنها ليست انعزالية، إنها مجرد واقعية عتيقة».


فشل عملية أسبايدس 


يرى جيمس أور، أن النقاش حول سيجنال يعكس الإحباط الأمريكي من فشل عملية أسبايدس، وهي عملية حماية بحرية دفاعية بقيادة الاتحاد الأوروبي، في ردع الحوثيين بفاعلية، وبدأت العملية في فبراير 2024، بعد شهر من إصدار الرئيس السابق جو بايدن أوامره بشن أولى الغارات الجوية الأمريكية على الحوثيين في إطار عملية «حارس الرخاء» المنفصلة التي قادتها الولايات المتحدة.
ويعتقد العديد من المحافظين الأمريكيين أن أوروبا أصبحت «مثل المريض الذي يرقد في سريره، في غيبوبة لأشهر طويلة»، كما يقول أور. «إنه ضمور في العضلات، وببساطة، كانت تُغذّى بالتمويل الأمريكي بالتنقيط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية». وباستثناء فانس، يبدو أن أعضاء آخرين في حكومة ترامب يتبنون وجهة نظر نفعية بحتة، ومفادها أن «أوروبا سوق استُنفدت منه جميع الفرص التجارية والمالية». 
وإجمالاً، فقد كشفت محادثة سيجنال عن مجموعة من المسؤولين يبدو أنهم يتعاونون جيداً ويتشاركون رؤية عالمية، وبينما لم يبدُ فانس الصوت الحاسم في تلك المحادثة تحديداً، فإنه كان الطرف الأقوى في السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية. ووضح أن لديه توجهاً وفهماً وإذا رأى أن أوروبا قد انتهت، فقد تجد عواصم القارة العجوز صعوبة في إثبات خطأ رأيه.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"