عادي

روائع التراث الإسلامي

23:55 مساء
قراءة 3 دقائق

حذَّر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمته من كل ما يبطل الأعمال، ومن ذلك طلب الرياء بالأعمال؛ فعن معقل بن يسار، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لأبي بكر: يا أبا بكر، لَلشركُ فيكم أخْفى من دبيب النمل، والذي نفسي بيده لَلشركُ أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا فعلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أُشركَ بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم.

أنزل الله تعالى سورة عظيمة، تعدل ثلث القرآن، هي سورة الإخلاص، وسُميت بهذا الاسم لأنها تتناول الحديث عن إخلاص العبادة لله عزَّ وجلَّ، وتوحيده، وتنزيهه عن كل نقص وشرك؛ و«كلمة الإخلاص» تعني «التوحيد»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قال لا إله إلا الله مُخلصاً، دخل الجنة»، فقالوا: وما إخلاصها يا رسول الله؟ فقال: «أن تحجزه عمَّا حرَّم الله عليه». وعن أبي الدرداء، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «أيعجز أحدكم أن يقرأ كل يوم ثلث القرآن؟ قالوا: نعم يا رسول الله، نحن أضعف من ذلك وأعجز. قال: فإن الله جزَّأ القرآن ثلاثة أجزاء، ف«قل هو الله أحد» ثلث القرآن».

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الدنيا لأربعة نفرٍ: عبد رزقه الله مالاً وعلماً، فهو يَتقي به، ويصل فيه رحمَه، ويعمل لله فيه حقّاً، فهذا أفضل المنازل؛ وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلانٍ فهو بنيته، فأجرهما سواء؛ وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً، يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربَّه، ولا يصل فيه رحِمه، ولا يعمل لله فيه حقّاً، فهذا بأخبث المنازل؛ وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلانٍ فهو بنيته، فوِزْرهما سواء».

من القصص التي أدرك صاحبها أن الإخلاص هو سر النجاة في البحر والبر، أنه لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، منهم عكرمة بن أبي جهل، الذي فرَّ هارباً، فركب البحر، فأصابتهم عاصفة فقال أصحاب السفينة: أخلِصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئاً ها هنا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك عليَّ عهداً إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمداً، صلى الله عليه وسلم، حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عَفُوّاً كريماً، فجاء فأسلم.

يحذرنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الرياء، وهو أن يقصد الإنسان بعمله رضا الناس، لا رضا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، نادى منادٍ: مَن كان أشرك في عملٍ عمله لله، عزّ وجل، فليطلب ثوابه من عند غير الله عز وجل، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك». وقال تعالى فيمَن يراؤون الناس: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا» (النساء: 142).

كان أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أكثر الناس إخلاصاً لله قولاً وعملاً؛ فقد رُوِيَ أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خرج ذات يوم، إلى مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فوجد معاذ بن جبل، رضي الله عنه، يجلس عند قبر الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو يبكي بكاءً شديداً، فقال له عمر: ما يبكيك؟ قال معاذ: حديث سمعته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «اليسير من الرياء شرك، ومَنْ عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يُفتقدوا، وإن حضروا لم يُعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى».

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"