ذاكرة وذكريات

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

كلما سقطت فردة حذاء منا فعّلنا وضعية الأميرات وتخيّلنا «سندريلا» في كل خطوة نخطوها. كل خيال كان يذكرنا بـ «ليدي لين» التي كنا ننتظر قبول جدها بها، وكل دمية تذكرنا بـ «سالي» التي عشنا معها كل خيالاتها، وكل شجاعة كانت تعني «ليدي أوسكار»، وكل إيثار كان يعني «حورية البحر» التي تفقد صوتها كي تنقذ أميرها، وكل بطولة كانت تعني«كابتن ماجد» وكل براءة ممزوجة بالشقاوة كانت تعني «فلونة». وكل قصة حب تعني جميلة نائمة وأمير وسيم يقبّلها فتستيقظ وتنتهي قصتهما بزواج سعيد.
هكذا صنعت القصص المصورة والرسوم المتحركة وقصص الجدّات خيالاتنا وذكرياتنا، بل صقلت شخصياتنا وغذّت قدرتنا على الحكي.
كانت هذه الأمثلة وغيرها وسيلة للتخاطب فيما بيننا، فاتحة حديث، وبداية معرفة.
لكن ما يحدث اليوم من تغيير كبير في مجريات هذه القصص كلما «أعيدت صياغتها» وأعيد بثها، يجعلنا نفكر مليّاً ونتساءل: هل ستتشوه ذاكرتنا وتخلق ذاكرة جمعية جديدة للأجيال التي تلينا مختلفة كلياً عن تلك التي كانت تجمعنا؟
كلما أعيدت قصة للوجود من خلال كبريات شركات الإنتاج، فقدنا جزءاً من ذاكرتنا، بل جزءاً من هويتنا، فحتى نمط الشخصية يختلف وطريقة تفكيرها تختلف، بل نهايات الحكايات تختلف كلياً.
تذكرت مقولة الكاتب السعودي أشرف فقيه: «لا أريد أن أصحو لامنتمياً، أريد من الحياة أن ترفق بي وألا تطمس المتع الصغيرة التي عهدتها، أريد أن يستمر إخلاص عدنان للينا مضرباً للمثل».
وهذا حقيقي جداً، فقد عشنا بين جيلين: جيل محبٌّ لما عهده، يعرف باسم جيل الطيبين، وجيل متجدد قادر على تغيير كل معتقداته ومبادئه وثقافته وقيمه ونسف تراثه وتبنّي وجهات نظر مختلفة كلياً عمّا آمن به قبل سنين معدودات، هذا الـ«خطر» صار محدقاً بنا وقادراً على تهديد انتمائنا وهويتنا وجعلنا جيل «دقّة قديمة» لا يقبل التجديد في نظر الأجيال الجديدة، لكن هذه الذاكرة وهذا التشبث بالجميل القيّم هما جوهر شخصياتنا ومصدر من مصادر ثقافتنا وجانب لا يمكن تقليصه من هويتنا.
أعترف أنني مازلت أتابع كل هذه البرامج التي شاهدتها في طفولتي بنفس الشغف وأحدثها كان «فلونة» التي شاهدتها للمرة الرابعة و«فريندز» الذي أشاهده للمرة السادسة، و«ليدي أوسكار» الذي اشتركت في إحدى المنصات من أجل رؤيته مجدداً، لذا لا تشوهوا ذاكرتنا ولا تنزعونا من هويتنا.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"