التقاعد ليس طلاقاً

00:25 صباحا
قراءة دقيقتين

في كل مؤسسة، هناك من يبدأ، وهناك من يبدع، وهناك من يرحل، لكن بين البداية والنهاية، هناك سنوات، سنوات من العطاء، الصبر، البناء، والتحدي، سنوات لا يمكن أن تُختصر في رقم وظيفي، أو تقرير أداء، فهل يُعقل أن تنتهي هذه العلاقة بمجرد توقيع ورقة تقاعد؟
وهل التقاعد يعني نهاية الارتباط وانقطاع كل خيط من خيوط الوفاء؟
في الواقع هذا ما يحدث في أغلب الأحيان، لذلك لديّ رسالة إلى كل جهات العمل، في مختلف القطاعات، لا تتعاملوا مع من تقاعدوا من مؤسساتكم وكأنها علاقة «مطلقين»، تنتهي بانتهاء العقد، وينقطع فيها كل تواصل وود، فالتقاعد لا يعني الانقطاع، ولا يجب أن يكون نهاية العلاقة، بل بداية مرحلة جديدة من الوفاء والاحترام، فالمتقاعدون هم جزء أصيل من ذاكرة المؤسسة وهويتها، خدموها لسنوات، وأسهموا في نجاحها واستقرارها، وتحملوا المسؤوليات في ظروف مختلفة وصعبة، وواجهوا تحديات لم تكن سهلة مطلقاً.
ومن هذا المنطلق، فإن التعامل مع المتقاعدين يجب أن يتجاوز الإجراء الإداري، ليعكس تقديراً حقيقياً لمسيرتهم الطويلة وجهودهم التي لا تُنسى، ولما قدموه من تضحيات ساعدت المؤسسة على النمو والتميز والريادة، ومن الوفاء والوعي المؤسسي أن تبقى جهات العمل على تواصل مع من تقاعدوا، لا للواجب فقط، بل لأن في ذلك فائدة استراتيجية للطرفين.
إن دعمهم بدورات تدريبية ومواكبة التغيرات يمنحهم طاقة جديدة، ويعيد تفعيل خبراتهم في ضوء الواقع الجديد، ويجعلهم أكثر قدرة على مواكبة المتغيرات والمشاركة في بناء المستقبل بثقة ووضوح، وعندما نجمع بين الخبرة والتحديث، سنفاجأ بكمّ من المقترحات والحلول العميقة التي يقدمها هؤلاء، بحكمة من عاش التجربة وبصيرة من تابع التطور.
هذه العلاقة إذا أُديرت بحب واحترام، لن تكون عبئاً على المؤسسة، بل ستكون رصيداً مستمراً من الخبرة والولاء، واستثماراً إنسانياً طويل الأمد، فلا تقطعوا الخيط الذي جمعكم لسنوات، بل اجعلوه جسراً لمستقبل مشترك، حتى بعد التقاعد، ولنتذكر أن المتقاعد لا يفقد قدرته على العطاء، بل يحتاج فقط إلى من يؤمن بأن العطاء لا تحدّه الوظيفة، ولا توقفه نهاية الخدمة.
إن إعادة دمجهم في بيئة التعلم والتطوير تعزز ثقتهم بأنفسهم، وتمنحهم طاقة جديدة للاستمرار والمساهمة في المجتمع بطريقة إيجابية ومؤثرة، بل إن بعض المؤسسات الرائدة بدأت بإنشاء شبكات داخلية للمتقاعدين، تُشركهم في أنشطة التطوير والاستشارات والمبادرات المجتمعية، هكذا تتحول العلاقة من «موظف سابق» إلى «شريك دائم في النجاح»، وهذا هو جوهر الوفاء المؤسسي.
إن التقدير الحقيقي لا يكون بحفل وداع، بل باستمرار العلاقة، فمن عرف باب المؤسسة يوماً، يظل يحمل لها في قلبه انتماءً لا تمحوه السنوات.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"