عادي

هل الألم نعمة أم نقمة؟

19:46 مساء
قراءة دقيقتين

د. حبيب سموح

لطالما نظرنا إلى الألم والأعراض الأخرى، كمصادر إزعاج نرغب في التخلص منها، بأسرع وقت ممكن. ولكن، هل تساءلت يوماً عمّا سيحدث لو اختفى الألم تماماً.
زارتني في العيادة فتاة، وُلدت بصحة جيدة مثل باقي الأطفال، لكنها لم تكن تبكي عند السقوط أو عند الإصابة بالحروق أو الكسور. ومع مرور الوقت، تبيّن أنها تعاني حالة نادرة تُعرف بـ «الغياب الخلقي للإحساس بالألم»، أي أنها لا تشعر بالألم إطلاقاً.
قد يبدو ذلك للوهلة الأولى وكأنه نعمة، لكنه في الحقيقة عكس ذلك تماماً، فقد كانت والدتها تراقبها يومياً بقلق، تبحث في جسدها عن إصابات لم تلاحظها الطفلة، لأن الألم لم ينبهها لها. وهنا ندرك الحقيقة: الألم ليس عدواً، بل هو جهاز إنذار حيوي متقدم، ينبهنا إلى وجود خطر أو تلف في أحد أعضاء الجسم.
ولا يقتصر الأمر على الألم، فهناك العديد من الأعراض التي كثيراً ما نشتكي منها، دون أن نُدرك أنها في جوهرها جزء من منظومة دفاعية متكاملة تهدف إلى حماية أجسامنا.
على سبيل المثال، الحمّى تعمل على إبطاء نمو البكتيريا والفيروسات، وتزيد من كفاءة جهاز المناعة.
السعال والعطاس وسيلان الأنف تساعد على طرد الكائنات الدقيقة أو المواد المهيجة من الجهاز التنفسي.
التورم والاحمرار نتيجة تدفّق الدم وعناصر المناعة إلى المنطقة المصابة لمواجهة الالتهاب.
القيء والإسهال وسيلتان فعّالتان للتخلص من السموم والمواد الضارة، وتقللان من امتصاصها داخل الجسم.
صحيح أن هذه الأعراض قد تتطلب علاجاً في بعض الحالات، لكن من المهم أن نفهم أنها ليست مجرد علامات مرضية، بل استجابات دفاعية حيوية تساعد الجسم على مواجهة المشكلات وحماية نفسه.
في النهاية، إن إدراكنا لقيمة هذه الأعراض، وعلى رأسها الألم، يدعونا إلى تغيير نظرتنا الطبية والإنسانية لها، فهي، وإن بدت مزعجة، تُمثل خطوط الدفاع الأولى عن صحتنا وحياتنا.

استشاري طب الأطفال مستشفى الزهراء دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"