كانت الناشطة الحقوقية آز فهمي، التي تعمل لدى منظمة غير ربحية في سيدني، متطوعة لحساب حزب العمال الحاكم في أستراليا، وتوزع منشورات إعادة انتخاب ممثلها المحلي، وهو وزير الشؤون الداخلية توني بيرك، لكن كل ذلك تغير، بعدما شنت إسرائيل حملة عسكرية على غزة في 2023، قتل فيها حتى الآن أكثر من 50 ألف فلسطيني، وتم تشريد الملايين وتدمير القطاع.
وتشن آز الآن حملة ضد بيرك قبل الانتخابات المقررة في الثالث من مايو/ أيار المقبل، بسبب إحباطها من حزبه على دعوات للحكومة إلى دعم الفلسطينيين في غزة.
وقالت آز، وهي مسلمة ومن أصول سورية عراقية: «الوقت الوحيد الذي سيستمعون فيه هو وقت الانتخابات».
أما هافا ميندل، وهي ربة منزل يهودية في برزبين، دعمت العمال في آخر انتخابات، بسبب سياساته المناخية، لكنها تقود الآن حملة تضم مئات المتطوعين للإطاحة «بحكومة حزب العمال الضعيفة التي لم تفعل ما يكفي» لوقف الهجمات المعادية للسامية.
ويسلط استياء الناخبين، مثل آز وهافا، الضوء على تفتيت التأييد للحزب الذي يحاول إبعاد المعارضة الليبرالية المحافظة، والفوز بولاية ثانية في السلطة، بسبب حرب غزة.
وتسير حكومة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي منذ أواخر عام 2023 على خط رفيع بين إبداء القلق إزاء الفلسطينيين، والدعوة مراراً إلى وقف إطلاق النار، وبين دعم إسرائيل.
وقال خبراء انتخابات، إن هذا النهج أثار غضب الناخبين المناصرين للفلسطينيين والمؤيدين لإسرائيل، ما جعل «العمال» عرضة لخطر خسارة تسعة على الأقل من مقاعد النواب التي يحتاج إليها للحفاظ على أغلبيته البرلمانية.
وتعد دائرة آز واحدة من ثلاث دوائر انتخابية متعددة الثقافات، وتسودها الطبقة العاملة في غرب سيدني، والتي كانت منذ فترة طويلة معاقل للعمال، حيث هناك ناخب مسلم من كل ثلاثة ناخبين رغم أنهم يشكلون 3.2% من سكان أستراليا.
واليهود الأستراليون كذلك لا يشكلون إلا 0.5% من عدد السكان، لكنهم يمثلون نحو سُدس الناخبين في الدوائر الانتخابية الثرية بالمدن الداخلية في سيدني وملبورن.
ويقول خبراء الانتخابات، إن التركيبة السكانية للطائفتين قد تؤدي إلى تحولات كبيرة ضد المشرعين الحاليين.
وقال محلل الانتخابات وليام بوي، إن «العمال» قد يواجه تحولاً مدمراً ضده بنسبة 20% في غرب سيدني، حيث حصل المرشحون الحاليون على أكثر من نصف الأصوات الأولية في عام 2022، ما يعكس خسائر حزب العمال البريطاني العام الماضي، بسبب رد فعل الناخبين المسلمين بعد حرب غزة.
* «السياسة كلها محلية»
قال آندي ماركس المدير التنفيذي لمركز غرب سيدني، وهو مؤسسة بحثية، إن الناخبين المسلمين ليسوا «متجانسين»، وإن القضايا المحلية، مثل الرعاية الصحية والإسكان، عادة ما تحظى بالأولوية على حساب الأحداث على الجانب الآخر من العالم. لكن الروابط العائلية بالشرق الأوسط أتت بحرب غزة إلى أستراليا، وتؤثر في العديد من الناخبين. وتابع ماركس: «القاعدة السائدة في غرب سيدني هي أن السياسة كلها محلية».
وأضاف «سرعة وصول الأحداث في الشرق الأوسط، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال الروابط العائلية، تجعل هذه القضايا تبدو محلية جداً لبعض المسلمين».
وقال زياد بسيوني، وهو طبيب مسلم يخوض الانتخابات ضد بيرك، إنه كان يشعر بالتجاهل، وهو يعيش في دائرة انتخابية آمنة بالنسبة لحزب العمال لمدة 20 عاماً، لكن «قضية غزة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما حدثت».
ولم يرد ألبانيزي أو بيرك أو وزير التعليم جيسون كلير، الذي يشكل عدد السكان المسلمين في دائرته بغرب سيدني 32%، على طلبات للتعليق.
وبموجب نظام التصويت التفضيلي المعقد في أستراليا، فإنه إذا لم يحصل أي مرشح على أكثر من نصف الأصوات في الانتخابات التمهيدية، يُستبعد المرشح الحاصل على أقل عدد من الأصوات، ويعاد توزيع التفضيلات حتى فوز أحد المرشحين. ويعني ذلك أن مرشحاً قد يتصدر بما يعادل 49% من الأصوات في الانتخابات التمهيديةـ ويخسر في النهاية.
ويمكن للمستقلين مثل بسيوني تعويض النقص في الأصوات خلال الانتخابات التمهيدية من خلال إبرام صفقات مع مرشحين آخرين، لتفضيل بعضهم بعضاً في بطاقات التصويت التي تُوزع في مراكز الاقتراع، وهي استراتيجية يستخدمها المرشحون الأقل شهرة أحياناً لزيادة فرصهم، أو تقليل فرص منافسين مشتركين.
وقال وسام الشرقاوي منسق مجموعة «الصوت الانتخابي»، وهي منظمة شعبية تدعم ثلاثة مرشحين من بينهم بسيوني، إن المجموعة لاحظت «رغبة قوية في الوقت الحالي في وضع حزب العمال في المرتبة الأخيرة» في بطاقات التصويت.
* المحافظون يسعون لكسب أصوات اليهود
وذكرت وسائل إعلام محلية، أن ائتلاف المعارضة استبعد إجراء أي اتفاق مع الجماعات المؤيدة لفلسطين، واتجه لدعم الجالية اليهودية، منتقداً ألبانيزي لضعف موقفه تجاه معاداة السامية. ودفع ائتلاف المعارضة بمرشحين مؤيدين لإسرائيل في الضواحي الشرقية الثرية في سيدني ووسط ملبورن، على أمل استعادة مقاعد خسرها المستقلون في انتخابات 2022.
وفي سيدني، درس المرشح المحافظ رو نوكس في الجامعة العبرية في القدس، بينما واجهت النائبة المستقلة الحالية أليجرا سبندر انتقادات من الناخبين اليهود لدعمها تمويل وكالة الأونروا.
وفي بوندي بيتش، قال شون إلياستام من سيدني إنه صوت لنوكس. وقال «لا يمكن إرضاء شخصين إذا كان واحد منهما جيد والآخر سيئ. عليك أن تنحاز لأحد الجانبين».
ورغم أن دائرة ميندل الانتخابية في برزبين تضم عدداً قليلاً من اليهود، إلا أنها قالت إن مجموعتها ستستهدف نحو 10 مقاعد في الولايات الشرقية بحملة تشمل وسائل التواصل الاجتماعي واللوحات الإعلانية، وذلك لتعزيز موقف المحافظين.
وقالت آز فهمي إنها تشارك في حملة ضد حزب العمال، لكنها تريد حكومة أقلية يقودها الحزب، ويُمكن للمستقلين مثل بسيوني تولي السلطة فيها.
وأضافت «ما حدث في غزة حشد الناس حقاً.لا أرى أن ممثلينا المحليين يدركون مدى أهمية تلك القضية بالنسبة لكثير من الناس».