الدول المنقسمة.. والتمثيل الخارجي

00:59 صباحا
قراءة 4 دقائق

صلاح الغول

يثير «السيناريو الليبي» الذي يأخذ بالتمدد في العالم العربي، من ليبيا إلى اليمن ومن سوريا إلى السودان، مشكلة حقيقية تتعلق بالتمثيل الخارجي للدولة لدى الفاعلين الدوليين الآخرين من دول ومنظمات إقليمية ودولية. بعبارة أخرى، مَن يُمثل الدولة في الخارج؟ أو أي حكومة تُمثل الدولة؟ وهذا التساؤل من الأهمية بمكان على اعتبار أنّ الدولة، في التحليل الأخير، تُعرف بمَن يمثلها.
وقبل استقراء الواقع بالنسبة للتمثيل الخارجي للدول المنقسمة في العالم العربي، يجدر بنا التمييز بين التمثيل الخارجي للدولة والاعتراف الدولي بها. فوجود أو غياب التمثيل الخارجي للدولة لا يؤثر في مسألة الاعتراف الدولي بها، فوجود الدولة كوحدة أساسية في النظام الدولي لا يتأثر بوجود تمثيل خارجي لها من عدمه أو حجم هذا التمثيل. ولكنّ التمثيل الخارجي للدولة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاعتراف (القانوني أو الواقعي) بالحكومة. فالاعتراف القانوني هو اعتراف كامل بشرعية الحكومة بلا أي تحفظ. أما الاعتراف الواقعي، فهو اعتراف بوجود الحكومة كأمر واقع من دون أن يعني ذلك اعترافاً بشرعيتها أو بمشروعية وصولها إلى السلطة. فاعتراف الدولة (أ) بحكومة الدولة (ب)، سواء أكان قانونياً أو واقعياً، يتيح تبادل التمثيل الدبلوماسي بينهما، أو يتيح، على الأقل، تمثيل الدولة (ب) لدى الدولة (أ). وينطبق الأمر على المنظمات الدولية.
وفي الحالة الليبية، توجد حكومتان تزعم كل منهما تمثيلها للدولة في الخارج. فهناك الحكومة المكلفة من مجلس النواب، أو «حكومة الاستقرار» برئاسة أسامة حمّاد، التي تشكلت في مايو/أيار 2023. وقد أصدر مجلس النواب قراراً، في سبتمبر/أيلول 2024، أكد فيه أن «حكومة الاستقرار» هي «السلطة التنفيذية الوحيدة في البلاد». وهناك «حكومة الوحدة الوطنية» التي تشكلت في مارس/آذار عام 2015 وانتهت ولايتها في يونيو/حزيران 2022، ولكن لا تزال هي المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. وقد فشلت الجهود الليبية والإقليمية والدولية لتدشين حكومة موحدة من أجل إجراء الانتخابات، ومن ثم إنهاء المرحلة الانتقالية المتواصلة منذ 14 عاماً. ولا تتوفر ملامح، أو حتى موعد تقريبي لظهور مثل هذه الحكومة.
ورغم أنّ «حكومة الوحدة الوطنية» تُمثل ليبيا في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي وكثيرٍ من الدول حول العالم، فإنّ حكومة حماد التقت عدداً من سفراء الدول الكبرى، وفي مقدمتها فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وغيرها. كما أن مصر والمغرب وموريتانيا وعدداً آخر من الدول الإفريقية تعترف بحكومة حمّاد. وقد سبق لأسامة حمّاد أن زار مصر واستقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصياً، ما فُسر على أنه دعم مصري للحكومة المكلفة من البرلمان. وقد تواصلت حكومة حمّاد مع تركيا، التي تُعد الداعم الرئيسي لحكومة الدبيبة. بل إن الرئيس السابق للبعثة الأممية في ليبيا، عبدالله باتيلي، سبق أن وصف حكومة حماد بالحكومة الليبية، ولم يسجل أي احتجاج رسمي من قبل حكومة الدبيبة.
ومن استقراء الواقع، نجد أنّ الموقف الدولي يعترف بحكومة الوحدة الوطنية، ولكنه لم يمانع في التواصل مع الحكومة المكلفة من مجلس النواب، وأن أغلب الدول تتعامل بصفة غير رسمية معها.
وفي الحالة اليمنية، نجد الأمر معكوساً، فالحكومة اليمنية الشرعية والمعترف بها دولياً، برئاسة رشاد العليمي، والتي تتولى تمثيل اليمن حصراً في المنظمات الدولية والإقليمية وجامعة الدول العربية، وفي الأغلبية الغالبة من دول العالم، لا تُسيطر على العاصمة «صنعاء»، وإنما تحكم من «عدن». أما حكومة الحوثيين، التي تتخذ من صنعاء مقراً لها، فقد انخرطت في تفاعلاتٍ رسمية مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول المنطقة، بما في ذلك السعودية التي تتزعم التحالف المناهض للحوثيين وعُمان التي بذلت مساعيها الحميدة لعقد اجتماعات بين الحوثيين وكل من الولايات المتحدة والسعودية، بل والحكومة اليمنية نفسها.
وفي السودان، وقعت قوات الدعم السريع، والقوى المدنية والسياسية والحركات المسلحة المتحالفة معها، في 22 فبراير/شباط الماضي، ميثاقاً سياسياً، لإنشاء حكومة موازية أو «حكومة سلام ووحدة» في مناطق سيطرة الدعم السريع، برئاسة محمد حمدان دقلو «حميدتي» لمواجهة الحكومة المركزية برئاسة عبد الفتاح البرهان، التي كانت تتخذ من مدينة بورتسودان عاصمةً مؤقتةً لها قبل سيطرتها على العاصمة الخرطوم مؤخراً.
ومع ذلك، فإن الحالة السودانية أقل تعقيداً من الحالتين الليبية واليمنية من ناحية التمثيل الخارجي. فالحكومة الموازية لم يتم تشكيلها بعد، وتوازن القوى أصبح في مصلحة الجيش السوداني الذي يسيطر على الحكومة المركزية، وقوات الدعم السريع تتراجع إلى معاقلها في غرب السودان. وقد اعتبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن محاولات إقامة حكومة موازية تحمل في طياتها خطر تصعيد الصراع السوداني. وكذلك فعلت عدد من القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا. ورفضت مصر والسعودية بشكل قاطع تشكيل الحكومة الموازية من الأساس.
والخلاصة أن قضية التمثيل الخارجي للدول المنقسمة بين حكومتين قضية معقدة، تختلط فيها الأبعاد القانونية بالأبعاد السياسية، ولكنّ التجربة العملية أثبتت أن التسابق على التمثيل الخارجي بين الحكومات المتصارعة في الدولة الواحدة يطيل أمد الصراع، ويمهد السبيل للتدخلات الخارجية التي تُسهم بدورها في تعقيد الصراع وزيادة تركيبه.

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"