ترامب يُنهي منظمة التجارة العالمية

01:01 صباحا
قراءة 4 دقائق

كمال بالهادي

شبّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الرسوم الجمركية بالعملية الجراحية. وكتب بأحرف كبيرة في منشور عبر منصته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»: «لقد انتهت العملية! لقد عاش المريض وهو يتعافى».
وأضاف: «التوقعات تشير إلى أن المريض سيكون أقوى وأعظم وأفضل وأكثر صموداً من أي وقت مضى، فلنجعل أمريكا عظيمة من جديد!!!». وقال ترامب إن الاقتصاد الأمريكي سيخرج «أقوى بكثير»، حتى مع تراجع الأسواق العالمية. وحاولت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، طمأنة الأسواق الأمريكية، قائلة لوسائل إعلام أمريكية: «لأي شخص في وول ستريت هذا الصباح، أود أن أقول: ثقوا بالرئيس ترامب، إنه رئيس يُعزز استراتيجيته الاقتصادية المُثبتة». وأضافت أن الرسوم الجمركية التي تشمل رسوماً شاملة بنسبة 10% على الواردات وحواجز جمركية أشد على عشرات الدول المُحددة، بما في ذلك أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين، تعني أن «أمريكا لن تخضع للخداع من الدول الأجنبية بعد الآن».
وبهذه القرارات الجريئة ينهي دونالد ترامب عهداً للاقتصاد العالمي بدأ في عام 2005 عندما تم تأسيس منظمة التجارة العالمية التي ألغت القيود الحمائية. والغريب أن أمريكا هي التي أنشأت هذا النظام قبل ثلاثين عاماً وهي التي تضع نهايته الآن، وتجعل العالم في حالة فوضى تجارية إن لم نقل حرباً تجارية.
فقد تآكل النظام الذي حكم الاقتصاد العالمي لسنوات عديدة وسط عدة عوامل يمكن أن تهوي به إلى الفوضى، ويكشف تقرير لمجلة «إيكونوميست» أن المؤسسات التي حمت النظام الاقتصادي العالمي كما نعرفه، إما تلاشت فاعليتها وإما أنها على الأقل تفقد شرعيتها الدولية بسرعة.على سبيل المثال، ستبلغ منظمة التجارة العالمية عامها الثلاثين في العام المقبل، وفقاً للتقرير، لكنها ستكون قد أمضت أكثر من خمس سنوات في حالة من الركود، بسبب الإهمال الأمريكي. كما يواجه صندوق النقد الدولي أزمة هوية، فهو عالق بين الأجندة الخضراء وضمان الاستقرار المالي، أما مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فقد أصبح مشلولاً، وفقدت المحاكم الدولية مصداقيتها.
وفي ظل ظروف كهذه، باتت الحقيقة الجديدة هي ابتعاد الاقتصاد العالمي عن القطب الأوحد المتمثل في السيطرة النسبية للولايات المتحدة على الأسواق والتجارة العالمية، ما يفسح الطريق لبروز قوى جديدة قد تسيطر على المشهد.
ردود الأفعال أتت سريعاً، إذ قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن رسوم ترامب الجمركية سيكون لها تأثير كبير في كل قطاعات الاقتصاد والصادرات الأوروبية. وتابع في تصريحات صحفية، «قرار ترامب بفرض الرسوم الجمركية سيجعل الاقتصاد الأمريكي والأمريكيين أضعف وأكثر فقراً من السابق». وأردف: «ندعو إلى تعليق الاستثمارات الفرنسية في الولايات المتحدة رداً على تعريفات ترامب الجمركية». مضيفاً: «الرد الأوروبي على الرسوم الجمركية الأمريكية سيكون على مرحلتين وستطبق المرحلة الأولى بحلول منتصف الشهر الجاري». ومن جانبها حذرت رئيسة منظمة التجارة العالمية، نغوزي أوكونجو إيويالا، من خطر اندلاع حرب جمركية في أعقاب فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية جديدة. وقالت إيويالا: «أنا أشعر بقلق عميق إزاء إمكانية اندلاع حرب الرسوم الجمركية مع دورة من التدابير الانتقامية التي من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من تقليص التجارة، إن التدابير التجارية بهذا الحجم من الممكن أن تؤدي إلى تحويل كبير للتجارة».
وتشير التقديرات الأولية لمنظمة التجارة العالمية إلى أن الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، قد تؤدي إلى خفض التجارة العالمية بنحو واحد في المئة هذا العام.
وفي ردّ قوي من بكين، قال متحدث باسم وزارة التجارة إن الصين تعارض بشدة «التعريفات الجمركية المتبادلة» التي تفرضها الولايات المتحدة، وإنها ستتخذ بحزم إجراءات مضادة لحماية حقوقها ومصالحها. وأوضح المتحدث أن التاريخ يُظهر أن زيادة التعريفات الجمركية لا تحل مشاكل الولايات المتحدة، بل تُضر بمصالحها وتهدد التنمية الاقتصادية العالمية، إلى جانب الإضرار باستقرار سلاسل الصناعة والإمداد. وقال المتحدث: «لا رابح في الحرب التجارية، والحمائية لا تُفضي إلى شيء». وفي تعليق على زعم الولايات المتحدة بأنها عانت من التجارة الدولية وخطوتها لرفع التعريفات الجمركية على جميع شركائها التجاريين بذريعة «المعاملة بالمثل»، قال المتحدث إن هذا النهج يتجاهل توازن المصالح الذي تحقق من خلال المفاوضات التجارية متعددة الأطراف لسنوات عديدة ويتجاهل حقيقة أن الولايات المتحدة استفادت منذ فترة طويلة من التجارة الدولية.
السؤال الذي يمكن أن يطرح في هذا المستوى، هل نحن بصدد السير في إعادة القوة الأمريكية إلى قوتها ومجدها كما يريد ترامب، أم أن الرئيس الأمريكي يحفر قبر العظمة الأمريكية بنفسه، حيث إن تغير المعادلات الدولية واكتساب الشعوب والدول القدرة على المقاومة الاقتصادية، سيفرض في نهاية المطاف انحدار العصر الأمريكي تجارياً أولاً وسياسياً ثانياً، ما يمهد لبروز العالم الجديد كما تريده الصين وروسيا.
أيام فقط ستثبت ما إذا كان ترامب السياسي ورجل الأعمال قادراً على الاستمرار في تحدي العالم وإخضاعه، أم أنه سيكون الرئيس الذي سيكتب التاريخ أنه دشّن عصر الأفول الأمريكي.

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"