عادي

عذب الكلام

23:18 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات

الاستعارة مِن المجاز اللُّغويّ، وهي تشبيهٌ حُذِف أحدُ طَرفَيْه، فعلاقتها المشابهةُ دائماً، كقول ابنِ سِنان الخَفاجِيّ، يصفُ حَمامةً:

وهاتِفَةٍ في البان تُمْلي غَرامَها

عَليْنا وتَتْلُو مِنْ صبابَتِها صُحْفا

ولَوْ صَدَقَتْ فِيما تقُولُ مِنَ الأَسى

لما لَبسَتْ طَوْقاً وما خضَبَتْ كَفَّا

شبه الحمامة بامرأة، وحذف المشبّه به وأشار إليه بأحد لوازمه «تُمْلي وتَتْلو».

وقول إيليا أبي ماضي:

نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طينٌ

حَقيرٌ فَصالَ تيها وَعَربَد

وَكَسى الخَزُّ جِسمَهُ فَتَباهى

وحَوى المالَ كيسُهُ فَتَمَرَّد

استخدم أصل الإنسان وهو الطين للتعبير عنه.

دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

نَهاك عن الغواية

بهاء الدين زهير (بحر الوافر)

بِروحي مَن تَذوبُ عَلَيْهِ روحي

وذُقْ يا قَلْبُ ما صَنَعَت يَداكا

لَعَمْري كُنْتَ عَن هَذا غَنِيّاً

ولَمْ تَعرِفْ ضَلالَكَ مِنْ هُداكا

ضَنيتُ مِنَ الهَوى وَشَقيتُ مِنهُ

وأَنتَ تُجيبُ كُلَّ هَوىً دَعاكا

فَدَعْ يا قَلْبُ ما قَدْ كُنتَ فيهِ

أَلَسْتَ تَرى حَبيبَكَ قَدْ جَفاكا

لَقَد بَلَغَت بِهِ روحي التَّراقي

وقَدْ نَظَرَت بِهِ عَيْني الهَلاكا

فَيا مَنْ غابَ عَنّي وهوَ روحي

وكَيْفَ أُطيقُ مِن روحي انْفِكاكا

حَبيبي كَيْفَ حَتّى غِبتَ عَنّي

أَتَعلَمُ أَنَّ لي أَحَداً سِواكا

أَراكَ هَجَرْتَني هَجْراً طَويلاً

وما عَوَّدتَني مِنْ قَبلُ ذاكا

عَهِدْتُكَ لا تُطيقُ الصَّبْرَ عَنّي

وتَعْصي في وَدادي مَنْ نَهاكا

فَكَيْفَ تَغَيَّرَت تِلكَ السَّجايا

ومَنْ هَذا الَّذي عَنّي ثَناكا

من أسرار العربية

أسْمَاء الطُّرُقِ وأوصَافهَا: المِرْصادُ والنَّجْدُ: الطَّريقُ الواضِحُ، وكَذَلِكَ الصِّراطُ، والجَادَّةُ، والمَنْهَجُ. واللَّقَمُ

والمَحَجَّةُ: وَسَطُ الطَّرِيقِ ومُعْظَمُهُ. اللّاحِبُ: الطَّرِيقُ المُوَطَّأ. المَهْيَعُ: الطَّرِيقُ الواسِعُ. الوَهْمُ: الطَّرِيقُ الذِي يَرِدُ فِيهِ المَوارِد. الشَّارِعُ: الطرِيقُ الأَعْظَمُ. النَّقْبُ والشِّعْبُ: الطَّرِيقُ في الجَبَلِ. الخَلُّ: الطَرِيقُ في الرَّمْلِ. المَخْرَفُ: الطَّرِيقُ في الأشجَارِ. النَّيْسَبُ: الطَّرِيقُ المُسْتَقِيمُ، وقالَ اللَّيْثُ: هُوَ الواضِحُ كَطَرِيقِ النَّمْلِ والحَيَّةِ وحُمُرِ الوَحْشِ، وأنشد:

غَيْثاً تَرَى النَّاسَ إليْه نَيْسَبا

مِنْ صادِرٍ وواردٍ أيْدِي سَبا

هفوة وتصويب

ترد مثل هذه العبارة، عند بعض الكتاب «ما أَنْ سَمِعَتِ الأمُّ بكاءَ طِفْلِها حتّى سارعتْ إليه». بفتح همزة «أنْ»، والصواب «ما إنْ سَمِعَت» بكسرِها، لأنّ «إنْ» المكسورةَ الهمزةِ التي تأتي بعْدَ ما النافيةِ، تكونُ زائدةً، إذا تبِعَتها جملةٌ فعليّةٌ. والمعنى على ذلك «في اللحظة التي سمعتْ.. سارعت». أما «أن» المفتوحة، فلا تكونُ زائدةً، بلْ لها أثرٌ يظهَرُ في بِنْيَةِ الكلمةِ، وهو غيرُ موجودٍ في التعبير، قال أبو العتاهية:

ما إنْ ندِمتُ على سكوتي مرةً

ولقدْ نَدِمْتُ على الكلامِ مِرارا

ولو حُذِفتْ إنْ لَما تَغيّر المَعنى. إذِ المُرادُ «ما نَدِمْتُ».

ويقول آخرون «وقدْ تكفّل فلان بأَوَدِ أُسْرَتِهِ» أي كفاهم معاشَهم.. وهي خطأ، والصّوابُ «عالَ أُسْرَتَهُ أو أعالَها»، لأنّ الأَوَدُ: العِوَج أو الاعْوِجاج.. وأوِدَ، يأْوَدُ أوَداً: اعْوَجَّ. و«أقام أَوَدَهُ» أي أَعادَه إلى الطريق السليم. وتأَوّدَ النّبْتُ: تعطَّفَ وتعوَّج، قال قيس بن الملوّح:

فَلَوْ أَنّ ما أَبْقَيْتِ مِنِّي مُعَلَّقٌ

بعُود ثُمامٍ ما تأوّدَ عُودُها

من حكم العرب

لا تُفْشِ سِرَّكَ إلّا عند ذي ثِقَةٍ

أَوْ لا فَأَفْضَلُ ما اسْتَوْدَعْتَ أسْرارا

صَدْراً رَحِيباً وقَلْباً واسِعاً صَمِتاً

لَمْ تَخْشَ منه لِما اسْتَوْدَعْتَ إِظْهارا

البيتان لكعب بن زهير، يقول إن الحديث عن الخصوصيات والأسرار، ينبغي ألا يكون إلّا مع المقرّبين الموثوق بهم، حيث لا يمكن أن يفشوا أسراراً استودِعوها، مهما تكن الأحوال.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"