الشارقة: علاء الدين محمود
رواية «على شاطئ تشيسل»، للكاتب البريطاني إيان ماك إيوان، التي صدرت بنسختها العربية الأولى عام 2019، عن دار روايات إحدى شركات مجموعة كلمات في الشارقة، بترجمة تهاني فجر، هي من ضمن الأعمال السردية اللامعة التي قدمت مفاهيم جديدة في قضية الحب وأسرار العلاقات العاطفية منقبة في عمق الجوانب الروحية والمادية وأثرها في ديمومة العلاقة العاطفية أو فشلها.
تطرح الرواية الكثير من الأبعاد التي تتحكم في الروابط بين المحبين، ففي بعض الأحيان، وعلى الرغم من قوة العلاقة بين الطرفين، فهناك أشياء وأقدار تتدخل لتحول دون أن تستمر تلك الرابطة رغم توهجها، لينصرف كل خل عن خليله وفي النفس حسرات لا تكاد تنتهي.
والرواية بما تطرحه من ثيمة الحب والعلاقات العاطفية، تنسجم مع الأدب عموماً الذي يتخذ من هذه الثيمة عنواناً مركزياً، ذلك لأن الأعمال السردية تقوم برصد أدق تفاصيل عوالم الحب وتناقضاته المختلفة، وهو الأمر الذي يجده القارئ في الكثير من الروايات العالمية الخالدة سواء كانت الكلاسيكية أو الحديثة.
بداية وانفصال
استطاع الكاتب أن يجمع الكثير من الأفكار والرؤى وسردها عبر حكاية معبرة تدور حول قصة زواج حديث بين بطلي العمل: إدوارد وفلورنسا، وقضائهما شهر العسل في فندق في شاطئ تشيسل، وفي خلال أمسية يحدث اختلاف بينهما بسبب العلاقة العاطفية بينهما، ويتطور الخلاف إلى أن يقررا الانفصال، وتستمر الرواية في سرد أحداث حياة إدوارد، وحين يبلغ الستين من عمره يفكر مرة أخرى في فلورنسا وفي الليلة التي انفصلا فيها، رغم الحب الشديد بينهما. وتنتهي الرواية بتذكر إدوارد مشهد فلورنسا وهي تمشي مبتعدة قبل أن تختفي عن بصره، ويتصدر العمل هذا المقطع لدار روايات والذي يقدم إضاءات مهمة عن فضاءات الرواية حيث جاء فيه: «الطريقة التي يُشيح بها نظره بعيداً ثم يبقى صامتاً، تلك التوقعات المطوّلة منها بأن تمنحه المزيد، وعندما لم تفعل، تحوّلت إلى خيبة أمل لأنها تُبطئ كل شيء... أرادت أن تُحِبّ وأن تكون ذاتها، لكن لكي تكون ذاتها كان عليها الرفض طوال الوقت، وعندها فلن تكون ذاتها...إنها ليلة زفاف إدوارد وفلورنسا التي جرت أحداثها على أكمل وجه حتى ذهبا لتناول العشاء في فندق شاطئيّ هادئ، إذ بات كلّ منهما يشعر بعبء ما يتوقّعه منه الآخر الليلة، ويستدعي من الذّاكرة ما يُعينه على إشعال حماسته حيناً، أو الشعور بالرّعب أحياناً أخرى. ودون أن يُدركا ذلك تماماً، فإن ما سيقومان به الليلة، وكل كلمة يتفوّهان بها، وكلّ إيماءة، ستُرسي قواعد علاقتهما مدى الحياة».
هذه رواية عن الحب المثاليّ العميق، عن اصطدام أمواج الرومانسية بصخور الواقع، وعن المجتمع الذي قد تغيّره جذريّاً أمور يختبرها الناس فُرادى، في غرفهم، بعيداً عن الشوارع العريضة والصُراخ العالي.
فضاء
ولكي يكون القارئ ملماً بأسباب هذا اللقاء والاتفاق على الزواج والافتراق السريع، لابد أن يكون ملماً بالفضاءين الزماني والمكاني للعمل، حيث جرت أحداث الرواية ووقائعها في بداية ستينيات القرن الماضي وتحديداً في عام 1961، في بريطانيا، إذ كان المجتمع الإنجليزي، وربما الغربي بصورة عامة، محافظاً وكانت تعلو قيم الفضيلة، ووسط هذه الأجواء جرت العلاقة بين بطلي الحكاية، حينها كان إدوارد يدرس في لندن، ويسكن في منزل خالته المتشددة، أما فلورنسا، فقد كانت تقيم في سكن خاص بالنساء، تراقبه ربة منزل مشرفة عليه، ولم يكن يسمح للرجال بالدخول، ولم تكن الحياة كما هي الآن وكان قلة من الشباب يمتلكون السيارات ووسائل الترفيه الأخرى، وكان كل من إدوارد وفلورنسا من خلفية اجتماعية من الطبقة الوسطى من أسرة مثقفة ومحافظة في ذات الوقت، أغرم الشاب والفتاة ببعضهما وقررا الزواج لأن لا سبيل عن التعبير عن الحب في ذلك الوقت وفي ذاك المجتمع غير الزواج، حيث كان من الصعب اللقاء بين المحبين، فالجميع تحت رقابة سلطة المجتمع.
فقدان الخبرة
ولعل تلك الخلفية التي تشير إلى فقدان الخبرة الحياتية وبأمور الزواج لدى كل من الشاب والشابة، كانت سبباً أساسياً في فشل أهم يوم في حياتهما وهو ليلة الزواج أو الدخلة، حيث بدا أن كل واحد منهما لا يعرف الآخر ويفتقد إلى التواصل المادي والروحي، الأمر الذي كان له أثره الكبير في تلك العلاقة رغم الحب العظيم الذي جمع بين إدوارد وفلورنسا ليكون الفراق هو النتيجة الحتمية، حيث إن حكاية الرواية تركز بشكل كبير على ذلك اليوم الذي يجمع المحبين في مكان واحد، أي ليلة الدخلة، وضرورة الاستعداد لها بالمعرفة والثقافة، حيث كان كل واحد من بطلي العمل متأثراً بالتربية الصارمة والمحافظة، فكان إدوارد خجولاً جداً، وكذلك كانت فلورنسا مهذبة ونافرة، كان كل منهما أسير ماض وعلاقات اجتماعية وقيم وأخلاق معينة قادت إلى افتقار الخبرة لدى كليهما وهو الأمر الذي اتضح في ليلة العمر التي جمعتهما في غرفة واحدة، وبدلاً من أن تكون بداية للسعادة بينهما، قادت إلى شقاء مقيم.
رؤى وتصورات
ولعل من المهم كذلك ربط أحداث هذه الرواية التي انتهت بصورة مؤلفة عبر افتراق الزوجين، بما جرى في أوروبا بعد ذلك وتحديداً في عام 1986، في فرنسا، حيث جرت أحداث رفض كبيرة عرفت بثورة الشباب، كانت موجهة بصورة أساسية ضد القيم والعادات السائدة في المجتمع الأوربي، حيث تم رفع شعارات الحرية والانفتاح، وكأن تلك الحكاية بين إدوارد وفلورنسا تكررت كثيراً بين الشباب وهي التي قادت إلى تلك الثورة الاجتماعية، حيث كانت الضغوط المجتمعية وسلطتها الرقابية كبيرة جداً، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين الجنسين وكذلك مؤسسة الزواج وقضايا النساء، وقد استطاع الكاتب أن يربط بصورة عبقرية بين ذلك الواقع المحافظ وما سبق لحظة التمرد عليه من إرهاصات وتفاصيل صغيرة، بل وجعل السرد يتجه نحو آفاق أخرى مثل تناول قيم الخير والشر وماهية كل واحد منهما.
أساليب
على الرغم من قصر الرواية، فإنها ضمت الكثير من العوالم وتعمقت في العديد من القضايا خاصة مسألة الحب والزواج، حيث برع الكاتب المولود في عام 1948، والذي يعد من أبرز الروائيين في بريطانيا في الوقت الحالي، وأغزرهم إنتاجاً وشهرة، في صناعة تفاصيل ترسخ في ذهن القارئ، حيث اشتهر هذا المؤلف بتناول القضايا الحساسة والمزعجة، وعلى الرغم من قسوة عوالم هذه الرواية فإن المؤلف نجح في تمرير ثقلها عبر توظيف الكثير من التقنيات مثل السخرية وحس الفكاهة في بعض الأحيان، حيث إن العمل لا يخلو من الفعل النقدي تجاه المجتمع، الأمر الذي نجح عبره في صناعة عمل سردي مؤثر وصادق وحافل بالتفاعلات الوجدانية والإشراقات الفكرية.
صدى
وجدت الرواية فور نشرها في عام 2007، حيث وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية في ذات العام، وأدرجها الناقد الأدبي جوناثان ياردلي، ضمن أفضل عشر روايات لذات العام 2007.
اقتباسات
- «لا داعي للعجلة عندما تكون هناك حياة طويلة».
- «الجسد لا يكذب بشأن مشاعره، أو لا يستطيع ذلك».
- «تتغير القصة من خلال لفتة لم تتم أو كلمة لم تُقلْ».
- «لم تستطع أن تُصدق أن الكلمات القاسية يمكن أن تُنسى».
- «عاشت في عزلة عن نفسها، لا تريد أو تجرؤ على النظر إلى الوراء».
- «من ذا الذي، حرصاً على اللياقة، كبح جماح قلبه أو كتم خجله؟».
الناشر: دار روايات