إعداد: محمد كمال
من الواضح أن حركة الاحتجاجات داخل الجيش الإسرائيلي التي تطالب بإنهاء الحرب في غزة، أعمق كثيراً من الرواية التي يتبناها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بل وأوسع من اقتصارها على رسالة الطيارين التي اكتسبت زخماً خلال الأيام الماضية، حيث شهدت الحركة انضمام قدامى المحاربين والآلاف من جنود الاحتياط من مختلف الأسلحة لهذه المطالبات، ومن بينها البحرية والمشاة والمدرعات، فضلاً عن أسماء قادة كبار سابقين مثل إيهود بارك ورؤساء أركان ومديرين سابقين للموساد.
رسالة ضباط البحرية
بعد ساعات من إعلان الجيش الإسرائيلي أنه سيقوم بتسريح جنود الاحتياط في القوات الجوية الموقعين على الرسالة، قام نحو 150 ضابطاً بحرياً متقاعداً بالتوقيع على خطاب خاص بهم الخميس، وجاء في رسالتهم أن «تجديد الحرب يبعد إسرائيل عن تحرير الرهائن، ويعرض الجنود للخطر، ويلحق الأذى بالمدنيين الأبرياء.
وجاء في بيان ضباط البحرية: «بدلاً من اتخاذ خطوات محددة لدفع اتفاق إطلاق سراح الرهائن، نشهد سلوكاً حكومياً يقوض أسس الحكم الرشيد، ويضر بثقة الجمهور، ويثير شكوكاً جدية ومخاوف من أن قرارات الأمن القومي تُمليها اعتبارات غير مشروعة». كما انتقدت الرسالة ميزانية الحكومة التي أُقرت مؤخراً، ومحاولات أحزاب الائتلاف المتشددة إعفاء ناخبيهم من الخدمة العسكرية. وكتبوا: «يشعر الشارع الإسرائيلي بالخيانة»، مشيرين إلى أن هذا التفاوت يُقوّض أسس أمن إسرائيل.

سلاح المدرعات
ثم أخذت رقعة الاحتجاج في الاتساع، حيث وجّه قدامى المحاربين وجنود الاحتياط في سلاح المدرعات نداءً مماثلاً في رسالتهم المنشورة الاثنين. وقاد هذه المبادرة العقيد احتياط رامي ماتان، وهو نائب قائد لواء سابق. ومن بين الموقعين على الرسالة، البالغ عددهم 1525، عدد من كبار المسؤولين العسكريين الذين لم يخدموا في سلاح المدرعات، مثل رئيس الوزراء ورئيس الأركان السابق إيهود باراك، والجنرال السابق وزعيم حزب العمل عمرام متسناع، ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق عاموس مالكا، كما وقعها رئيس الأركان السابق حالوتس أيضاً.
وأعرب الموقعون عن دعمهم لرسالة سلاح الجو، وكتبوا: «نعتقد أن على إسرائيل أن تبذل قصارى جهدها لإعادة الرهائن، حتى لو أدى ذلك إلى إنهاء الحرب. وإن استمرار القتال لا يخدم أياً من أهداف الحرب كما حددها جيش الدفاع الإسرائيلي». وأوضحوا أن دعوتهم ليست لرفض الخدمة العسكرية، بل هي تعبير عن رأي مشروع لإسرائيليين لم يعودوا في الخدمة الفعلية، وفق ما ذكرت صحيفة هآرتس العبرية.
وحدة النخبة الاستخباراتية

كما نشر أكثر من 250 جندياً احتياطياً ومحارباً قديماً من الوحدة 8200، وهي وحدة استخبارات الإشارة النخبوية الإسرائيلية، رسالةً خاصة بهم يوم الجمعة، أعربوا فيها عن تضامنهم مع جنود الاحتياط في سلاح الجو، وكتبوا: «ننضم إلى نداء طواقم الطيران في المطالبة بالاستعادة العاجلة للرهائن، حتى لو كان ذلك على حساب إنهاء الحرب فوراً».
كما أعربوا عن تأييدهم للإعلان الذي يكشف خطورة أن الحرب في هذه المرحلة تخدم بالأساس مصالح سياسية وشخصية، وليس مصالح أمنية. وأضافوا أنه من غير المقبول أن تواصل القيادة السياسية الحرب على حالها، «من دون أي تصريحات عامة حول تحقيق أهدافها».
ورغم استمرار الحرب، كما كتبوا، فإنهم يرون حماس تواصل سيطرتها على قطاع غزة، كما تستمر معاناة الرهائن تحت القصف الإسرائيلي، وأشاروا إلى أن «الحكومة لم تتحمل مسؤوليتها، ولم تعترف بعدم وجود خطة أو حل لهذه الأزمة بالوسائل العسكرية، كما أثبتت خلال العام ونصف العام الماضيين»، وشددوا على أنه «لا يمكن إعادة الرهائن سالمين إلا باتفاق، بينما يؤدي الضغط العسكري أساساً إلى قتل الرهائن وتعريض الجنود الإسرائيليين للخطر». وختم البيان: «أوقفوا القتال وأعيدوا الرهائن - الآن!»
مستثمرو التكنولوجيا الفائقة

كما وقع نحو 500 رجل أعمال ومستثمر وعامل من قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل على رسالة تحمل نفس نص عريضة الوحدة 8200 يوم الجمعة أيضاً. ثم وقع أكثر من 1500 من قدامى المحاربين في وحدات المشاة والمظليين والقوات الخاصة، بما في ذلك وحدات النخبة «سييرت متكال» و«شايتيت 13» و«شالداغ»، رسالةً تدعو إلى إنهاء الحرب. ووفقاً لكاتبي الرسالة، فإن 16% منهم في الخدمة الفعلية.
وأوضح الموقعون أنهم لا يدعون جنود الاحتياط أو الجيش إلى رفض أداء واجبهم، وأنهم سيواصلون خدمتهم بأنفسهم، لكن في الوقت نفسه: «نحن عازمون على ممارسة حقوقنا المدنية، ونحذر من استمرار هذا القتال الطويل الذي يُعرّض حياة الرهائن والجنود والمدنيين للخطر، ويبدو أنه مستمر لأسباب سياسية». كما عارضوا طرد أفراد القوات الجوية، وقالوا إن الهدف من ذلك هو «إسكات النقد المشروع».
موظفو الموساد

يوم الأحد، وقّع نحو 250 من قدامى موظفي الموساد رسالةً خاصة بهم يطالبون فيها بإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن. وكان من بين الموقعين ثلاثة رؤساء سابقين للجهاز هم: داني يوتام، وإفرايم هاليفي، وتامير باردو، بالإضافة إلى نائب رئيس سابق للموساد وعشرات كبار المسؤولين المتقاعدين.
وذكروا في رسالتهم، «أن على إسرائيل استنفاد كل الخيارات للتوصل إلى اتفاق يُنهي المعاناة»، كما دعوا الحكومة إلى «اتخاذ خيار شجاع والتصرف بمسؤولية من أجل أمن إسرائيل ومواطنيها». وأضافوا: «كل يوم يمر يُعرّض حياة الرهائن للخطر، وكل لحظة تسلل عسكري هي وصمة عار».
كلية الأمن القومي
وبعد ساعات من ذلك، وقع 100 من خريجي كلية الأمن القومي، حيث يواصل كبار المسؤولين العسكريين والدفاعيين والحكوميين دراستهم قبل تولي أدوار قيادية رئيسية، على رسالة مماثلة. وكتب الخريجون أنهم تعلموا أنه لا ينبغي إهمال الجنود والمدنيين، لكنهم كتبوا أنه خلال العام والنصف الماضيين «فشلت دولة إسرائيل في إدراك هذه القيمة».
وأضافوا أن انتهاك الثقة الأساسية التي يضعها مواطنو إسرائيل وجنودها في دولتهم، وفي مقدمتها حكومتهم، أمرٌ كارثي. وفي ظل الظروف الراهنة، يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تُدرك أن الوفاء بالتزامها بتوفير أقصى درجات الأمن القومي لدولة إسرائيل وشعبها يعني وقف القتال في غزة، واستبدال جميع الرهائن التسعة والخمسين، جنوداً ومدنيين، الباقين فوراً. وكتبوا أنه يجب احترام أي شخص يُطلق نداءً مماثلاً، وبالتأكيد عدم فصله من صفوف الجيش.
وأصدرت منظمة «قدامى المحاربين في الشين بيت من أجل الديمقراطية»، بياناً يدعم ما وصفوها بـ«رسائل إخواننا في السلاح»، والتي قالوا إنها «تعبر عن خرق عميق في ثقة الجمهور العام في حكومة 7 أكتوبر». واستطردت أن الحكومة فقدت ثقة الشعب، بسبب خللها الفادح وتسلل عناصر أجنبية إلى مركز عملية صنع القرار فيها. ودعت المجموعة إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر لاستعادة هذه الثقة. كما طالب الموقعون بإجراء انتخابات.
واختتمت الرسالة بدعوة «الإسرائيليين الخائفين على مصير وطنهم، والقطاع الاقتصادي، والمنظمات المدنية، إلى التحرك فوراً وبكل الطرق القانونية الممكنة، من أجل الدعوة إلى إجراء انتخابات وتشكيل لجنة تحقيق رسمية».
رد نتنياهو والجيش الإسرائيلي
وفي الأسبوع الماضي، وقعت مجموعة تضم نحو ألف جندي احتياطي عامل ومتقاعد في سلاح الجو الإسرائيلي على رسالة أثارت موجة من الصدمة في المجتمع الإسرائيلي، حيث دعوا إلى إعادة الرهائن المحتجزين لدى حماس فوراً عبر اتفاق، وإلى إنهاء القتال في غزة، الذي قالوا إنه مدفوع باعتبارات شخصية وسياسية لا بأمن البلاد، كما دعوا المواطنين الإسرائيليين إلى الانضمام لمطالبهم.
وسارع الجيش والحكومة في إسرائيل إلى توبيخ الموقعين على الرسالة، بل وفصل من لا يزالون في الخدمة، لكن سرعان ما انضمّ إلى الدعوة قدامى المحاربين وجنود الاحتياط وأعضاء سابقون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وكان من بينهم رؤساء سابقون للموساد وقائد أركان، وأعادوا نشر الرسالة، على وقع إدانة انتقادات الحكومة لها.
وسعى نتنياهو وحكومته إلى تصوير الموقعين على الرسالة باعتبار أنهم يرفضون الخدمة العسكرية في زمن الحرب، وقال نتنياهو إن سلاح الجو اتخذ موقفاً مماثلاً ضد إصلاح الحكومة الشامل للقضاء على أي هجوم محتمل على غرار ما جرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، زاعماً أن حماس فسرت دعواتهم لرفض خدمة الاحتياط على أنها ضعف. كما وصف الموقعين بأنهم «مجموعة متطرفة هامشية»، تسعى لإسقاط الحكومة.
وبعد نشر الرسالة، قال الجيش الإسرائيلي إن نحو 60 فقط من الموقعين على الرسالة نشطون حالياً في قوات الاحتياط، وإن عدداً أقل منهم حصلوا على الموافقة للقيام بمهام جوية، بينما ظهر أن الموقعين على الرسالة 970 جندياً احتياطياً حالياً وسابقاً في سلاح الجو، وكان من بين الموقعين رئيس الأركان السابق وقائد سلاح الجو دان حالوتس، والعميد أساف أغمون، الذي قُتل حفيده الرقيب غور كاهاتزي في لبنان في نوفمبر/تشرين الثاني.
ورداً على ذلك، قرر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، وقائد سلاح الجو، تومر بار، تسريح جنود الاحتياط العاملين، كما تراجع خمسة وعشرون من الموقعين على الرسالة عن دعمهم لها بعد تحذيرهم من أنها ستؤدي إلى تسريحهم بعد اجتماعات مع بار، الذي قال وقتها إن الأولوية القصوى لسلاح الجو الإسرائيلي هي إعادة الرهائن، وإن هذا هو أيضاً الدافع الرئيسي لكل عملية في قطاع غزة، محذراً من أن الرسالة تمزق وحدة الجيش الإسرائيلي في زمن الحرب.
ومن اللافت أن طوفان الرسائل الإسرائيلية الرافض لاستمرار الحرب في غزة، يتزامن مع تصريحات عن تعثر مفاوضات وقف القتال، حيث يتمسك نتنياهو بضرورة استمرار القتال حتى القضاء على حركة حماس، واستعادة الرهائن، وهو ما لم يتحقق أي منه على مدار شهور طويلة من الصراع المدمر، ولم يتم تحرير الرهائن إلا بعد إقرار اتفاق لوقف القتال خلال مرحلته الأولى، لكن لم تستمر إسرائيل في مفاوضات المرحلة الثانية منه وعادت للقتال مجدداً.