عادي

«هارفارد» العريقة تتصدى لرياح ترامب العاتية.. ما الأسباب؟

22:49 مساء
قراءة 5 دقائق
«هارفارد» العريقة تتصدى لرياح ترامب العاتية.. ما الأسباب؟
«هارفارد» العريقة تتصدى لرياح ترامب العاتية.. ما الأسباب؟

إعداد: محمد كمال
كان لدى هارفارد أعرق الجامعات العالمية والتي يبلغ عمرها تحديداً 388 عاماً، كل الجسارة لقول «لا» رداً على قائمة مطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصعبة، على الرغم من التهديدات المحتملة بتجميد أكثر من ملياري دولار من الأموال الفيدرالية المخصصة لها، حيث رأى مسؤولوها أن ما يدافعون عنه من قيم جامعية عريقة يستحق المخاطرة.
وبجملة من عشر كلمات فقط؛ رد رئيس جامعة هارفارد آلان غاربر بالرفض على قائمة المطالب التي أرسلتها إدارة ترامب، في خمس صفحات، حيث قال: «لن تتنازل الجامعة عن استقلالها أو تتنازل عن حقوقها الدستورية»، ما أدى إلى دخول الجامعة في واحدة من أخطر المواجهات في تاريخها.

ـ قائمة المطالبة:


وأرسلت إدارة ترامب إلى هارفارد مطالب من شأنها «إعادة تشكيل العملية التعليمية، والقبول، والتوظيف، وأعضاء هيئة التدريس، والحياة الطلابية»، لكن الأمر لم يستغرق سوى أقل من 72 ساعة حتى أرسلت الجامعة رفضها لهذه المطالب، ما اعتبر التحدي الأكثر وضوحاً من بين كل الجامعات الأمريكية، منذ بدأ ترامب الضغط على مؤسسات التعليم العالي للامتثال لأولوياته السياسية.
ورأى قادة جامعة هارفارد، خلال مناقشات مكثفة أن ما تقترحه الإدارة الأمريكية يمثل تهديداً عميقاً لاستقلال الجامعة العريقة ورسالتها، حيث ذكرت الرسالة أن هارفارد «لم تفِ بشروط حقوق الملكية الفكرية والحقوق المدنية التي تُبرر الاستثمار الفيدرالي»، ثم أبلغ المسؤولون الفيدراليون رئيس الجامعة بأنهم يرحبون بتعاونه في إعادة الجامعة إلى مسارها، ثم ذكروا أنه إذا وافقت هارفارد على شروطهم، فيمكنهم البدء في العمل على «اتفاقية تسوية أكثر شمولاً وإلزامية».
لكن قائمة المطالب التفصيلية، بحسب مطلعين، أذهلت قادة هارفارد، الذين كانوا حتى وقت قريب منفتحين على التوصل إلى نوع من الاتفاق مع الحكومة، حيث طالبت الإدارة الأمريكية بتقليص صلاحيات هيئة التدريس وبتبني سياسات قبول وتوظيف «قائمة على الجدارة»، وكذلك تدقيق بيانات الجامعة، وإدخال تغييرات على قواعد «استقطاب الطلاب الدوليين وفحصهم وقبولهم».
وأصرت الإدارة الأمريكية أيضاً على أن تُجري جامعة هارفارد مراجعةً لـ«تنوع وجهات النظر»، واستقدام جهة خارجية لفحص ما وصفته بـ«البرامج والأقسام التي تُغذي معاداة السامية أو تعكس سيطرة أيديولوجية». كما طالبت بضمان امتثال للمطالب حتى نهاية عام ٢٠٢٨ على الأقل، أي في الفترة التي يُتوقع أن يغادر فيها ترامب البيت الأبيض.

ـ «الجامعة لن تستسلم»:


وبعد إرساله الرفض، قال رئيس هارفارد غاربر في رسالة مفتوحة: «لا ينبغي لأي حكومة، بغض النظر عن الحزب الحاكم، أن تملي ما يمكن للجامعات الخاصة أن تدرسه، ومن يمكنها قبوله وتوظيفه، وما هي مجالات الدراسة والاستقصاء التي يمكنها متابعتها».
ورداً على الرفض، سارعت الحكومة بتجميد أكثر من 2.2 مليار دولار من التمويل الفيدرالي، مخصصة للجامعة، ولا يزال ما يقرب من 7 مليارات دولار أخرى معرضة لخطر التجميد، بما في ذلك الأموال المخصصة للمستشفيات التابعة لجامعة هارفارد، ثم لوح ترامب، الذي يستهدف جامعات النخبة معتبراً أنها تميل إلى اليسار، بملف الضرائب على الجامعات.
ـ قوة مالية وسياسية هائلة:
لكن ما أعان هارفارد على الرفض هو امتلاكها لقوة مالية وسياسية هائلة تُمكّنها من الدخول في مواجهة مع البيت الأبيض، خصوصاً بعدما تابعت جامعة كولومبيا وهي تستلم لشروط ترامب أملاً في تدفق التمويل مجدداً لكن ذلك لم يحدث.
وتعد هارفارد واحدة من أغنى الجامعات في العالم، والتي تبلغ قيمة صندوق ثروتها حوالي 53 مليار دولار، وعلى الرغم من ذلك، فإن التجميد الدائم للتمويل الفيدرالي، سيؤثر سلباً في المختبرات والأقسام وحتى الفصول الدراسية. لكن مسؤولي هارفارد اختاروا تقدير سمعتها واستقلالها وإرثها، مراهنين على قدرة المؤسسة على الصمود في وجه حملة ترامب.

ـ شبح المكارثية:


ويقول لورانس سامرز، الرئيس السابق لجامعة هارفارد: «هذا ما كان مكارثي يحاول فعله سابقاً، لكن مع تضخيمه حالياً إلى عشرات الأضعاف»، في إشارة «المكارثية»، التي تعود للسيناتور الأمريكي الشهير جوزيف مكارثي في خمسينات القرن الماضي، عندما روج إلى وجود كثير من المسؤولين والمتخصصين المتعاطفين مع السوفييت في أمريكا دون دليل، وانتهى الأمر إلى تعنيفه رسمياً من قبل مجلس الشيوخ.
وبحسب مطلعين، فقد بدت الإنذارات النهائية غير مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمطلب إدارة ترامب المعلن حول مكافحة معاداة السامية بالجامعات. وأفاد كينيث ماركوس، مسؤول الحقوق المدنية في وزارة التعليم خلال ولاية ترامب الأولى، بأن مقترحات الحكومة «تجاوزت بكثير معاداة السامية، وتعكس قلقاً أوسع بين المحافظين بشأن ما ينبغي السيطرة عليه في التعليم العالي». ويؤكد ماركوس أن المطالبات كانت بمنزلة هجوم على «الميل اليساري الذي يُعتقد أن هارفارد تجسده».
ويؤكد ستيفن بينكر، أستاذ علم النفس والرئيس المشارك لمجلس الحرية الأكاديمية في جامعة هارفارد: «من غير المعقول أن يوافق رئيس جامعة على تلك القائمة من المطالب، لأنها في الواقع تحدد محتوى معتقدات أعضاء هيئة التدريس والطلاب المقبولين». لكنه مع ذلك أبدى دهشته من سرعة استجابة هارفارد. ويشير الدكتور لورانس سامرز وزير الخزانة الأمريكي الأسبق، إلى أن «المطالب الصعبة» لإدارة ترامب جعلت قرار الرفض أكثر سهولة.

ـ الاستعداد للصدام:


في الأشهر الأخيرة، تبنت جامعة هارفارد مواقف متساهلة بشكل ملحوظ، لدرجة أن العديد من الأشخاص في الحرم الجامعي أعربوا عن قلقهم من أن الجامعة تنتهج مسار استرضاء على غرار جامعة كولومبيا، التي وافقت في مارس/آذار، على مطالب إدارة ترامب سعياً إلى استعادة 400 مليون دولار من المنح والعقود الفيدرالية. لكن الأموال لم تتدفق مجدداً. وبدلاً من ذلك، تدرس الحكومة الآن إمكانية إصدار مرسوم موافقة مع الجامعة، ما سيُمكّن قاضياً فيدرالياً من مراقبة أي اتفاقية مع الجامعة، ويمنح البيت الأبيض نفوذاً، ربما لسنوات.
وكانت الجامعة تجري استعدادات خفية لصدام محتمل مع البيت الأبيض، وبعضها كان قبل وقت طويل من إعلان صدر في 31 مارس/آذار لمراجعة نحو 9 مليارات دولار من تمويل هارفارد، حيث فرضت تجميداً على التوظيف، وسعت إلى جمع 1.2 مليار دولار من سوق السندات. كما درست تعديلات على مدفوعات الوقف البالغة 53 مليار دولار، تماماً كما فعلت خلال جائحة كوفيد.
وتعد المخاطر المالية التي تواجهها جامعة هارفارد هائلة، كما أن لها تداعيات على بقية الجامعات؛ إذ يبدو أن إدارة ترامب عازمة على التراجع عن العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والجامعات التي ازدهرت في جميع أنحاء الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية تقريباً.
وقد يُساعد صندوق هارفارد المالي على تجاوز بعض التداعيات المالية. لكن قادة الجامعة غالباً ما يُحجمون بشدة عن استخدام هذه الأموال، خوفاً من المستقبل وما تطلبه العملية التعليمية؛ إذ يُخصص حوالي 80% من أموال صندوقها لأغراض محددة. وعلى الرغم من ذلك ذكرت في أحدث تقرير مالي لها أن هناك مليارات الدولارات التي يمكنها استغلالها «في حالة حدوث اضطراب غير متوقع».
وفي حين انتقدت إدارة ترامب وبعض حلفائها في الكونغرس جامعة هارفارد بشدة لتحديها، لكن الكثير من الأوساط، وخاصة في الجامعات، جلبت جرأة هارفارد الجديدة بعض الراحة.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"