الوفاء، وحفظ المعروف، وعدم نكران ونسيان كل ما هو جميل.. أخلاقيات إنسانية حضارية لا تباع في الأسواق، ولا تُستعار من أحد، لأنّها تولد مع الإنسان، وتقيم في الأصل والجينات.. وبالتالي، فهي أوّل ثقافة فطرية يحملها الناس، وتظل حارسة للمرء وموجِّهَة لسلوكه ومبادراته.
عاش المدرّس والكاتب الأردني عبد الحافظ الحوارات نحو 20 عاماً في الثميد في الشارقة، وكتب وصفاً عفوياً نقياً لحياته وحياة أسرته في أثناء عمله في الثميد بين ناس مجبولين بالفطرة على النبل والمروءة ونظافة الروح والقلب، وكانت الحصيلة الأدبية أو الثقافية هذا الكتاب الذي جاء بعنوان المكان الذي أحبه هذا الرجل المخلص للبيئة الاجتماعية والجمالية التي عاش فيها بكرم وعناية واحترام.. قرأت كتاب الثميد من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة 2016 بمتعة، وإصغاء داخلي للوجدانيات والذكريات التي سردها عبد الحافظ الحوارات بعينه الرائية للصحراء وأهلها ومفرداتها ورمزياتها الدلالية والثقافية.
كتب عن الناس أهل الثميد في أرفع درجات مروءاتهم وأخلاقياتهم العربية الرجولية الأصيلة، كتب عن النسيج الاجتماعي العائلي لأهل المكان، وهو نسيج متماسك محكوم دائماً إلى ثقافة المكان وتاريخه وعاداته وتقاليده بكل بساطة، وبكل شفافية البشر المتفائلين دائماً بالمحيط المكاني النقيّ الذي يعيشون فيه ويبدعون ثقافتهم الإنسانية التي تستوعبها العشرات من الروايات، والقصص، والسرديات الهادئة العفوية.
كتب عبد الحافظ الحوارات بوفاء ومحبة عن النخيل وأصنافه وحضوره النفسي في المكان، وبين الناس الذين (يؤنسنون) حتى الأشجار في سياق تعاملهم اليومي مع مكانهم الصحراوي المفتوح دائماً على الطيبة وحسن الخلق ورفعة التعامل الأخلاقي الرفيع.
كتب عن المطر، والأفلاج، والمياه الجوفية في الثميد، والإبل، وكتب عن سيوح منطقة الفلي وفرحة العيد في مكان كلّه عيد بأهله ونقاء الناس فيه.
الثميد، بالفعل، قراءة وجدانية للمكان وأهله وعلاقاته، وبالطبع، جاءت هذه القراءة استناداً إلى شغف المؤلف بالمكان وجاذبيته التي أدّت إلى هذا النوع من الأدب المراوح بين اليوميات، والمذكرات والتصوير الأمين بالكتابة واللغة الدافئة النابعة أصلاً من دفء المكان.
يقول عبد الحافظ الحوارات في مقدّمته: «كتابي هو محاولة لتتبّع صدى لخليط أصوات عايشتها في عقد ونصف العقد من الحياة الفريدة بين بدو الشارقة، المكان قد أسرني سحره منذ البداية».
الأمكنة.. وَلّادةٌ للكتابة، أما ساكنوها فهم البلاغة في حدّ ذاتها من دون حاجة إلى مخاضات وعبقريات التأليف.. فقط، عش، وانظر، واكتب.
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







