عادي

ميلوني في مهمة صعبة بالبيت الأبيض من أجل الجائزة الكبرى

21:11 مساء
قراءة 5 دقائق
ميلوني في مهمة صعبة بالبيت الأبيض من أجل الجائزة الكبرى
ميلوني في مهمة صعبة بالبيت الأبيض من أجل الجائزة الكبرى

إعداد: محمد كمال

تعلق أوروبا آمالها على لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للخروج بصفقة متوازنة حول الرسوم الجمركية، حيث ينظر إليها العديد من قادة القارة العجوز باعتبارها صوتهم في البيت الأبيض، في حين تلقت رسائل متعددة قبل الزيارة بأنها قد تتعرض لمحاولة إبعادها عن الصف الأوروبي، وبالتالي فإنها تسعى جاهدة لإنجاز مهمة محفوفة بالمخاطر من أجل «الجائزة الكبرى».

وبالنسبة لميلوني، تُعدّ الزيارة ذات مخاطر سياسية عالية، في حال عادت خاوية الوفاض، حيث قد تنهار فكرة أنها حلقة الوصول القوية بين أوروبا وواشنطن، كما أنه في حالة عودتها بفوائد حصرية لإيطاليا فقط بدلاً من الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة، كما طالب بعض أعضاء ائتلافها اليميني، فإنها تُخاطر بتقسيم الاتحاد الأوروبي، في وقت ينظر فيه الكثيرون داخل القارة إلى أهمية الوحدة في مواجهة الحرب التجارية المتصاعدة.

ـ الجائزة الكبرى

وتشير ناتالي توتشي، مديرة معهد الشؤون الدولية في روما إلى أنه «من الصعب توقع ما يمكن أن تحصل عليه». وأضافت: «الجائزة الكبرى، قد تكون على سبيل المثال، قمة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وإن كانت تبدو بعيدة المنال، فالمفاوضات التجارية الدقيقة ليست محادثات تُجرى على هذا المستوى».

وتؤكد توتشي: «من الأسهل توقع ما قد تخسره، خصوصاً إذا لجأ ترامب لسياسة فرق تسد». وأضافت: «بمعنى ما، أفضل ما يمكن أن نأمله هو أن يُعقد الاجتماع من دون أي صدام، وسيكون هذا بحد ذاته نجاحاً».

ـ الصفقة المحتملة

ويؤكد نيكولا بروكاتشيني، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب ميلوني، والحليف السياسي المقرب لها، قوة العلاقة التي تربطها بترامب، مضيفاً: «هي ترغب في مساعدة أوروبا على تحقيق هدفها. قد يكون الهدف هو إبرام اتفاقية إعفاء جمركي من كلا الجانبين». واستطرد أن: «إيطاليا تُدرك اختلال الميزان التجاري مع الولايات المتحدة، وهي ملتزمة باتخاذ خطوات لتصحيحه.

وأشار بروكاتشيني إلى أن ميلوني، التي انتقدت رسوم ترامب الجمركية، لكنها حذّرت أوروبا من الرد بفرض المزيد من الرسوم، قد تعرض شراء المزيد من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، وهو أمرٌ صرّح ترامب بأنه يريده. وذكرت الصحافة الإيطالية أن ميلوني قد تنضم إلى طاولة المفاوضات بوعود حول تعزيز سريع للإنفاق الدفاعي الإيطالي، بالإضافة إلى استثمارات واسعة النطاق من الشركات الإيطالية في الولايات المتحدة، إلى جانب احتمال بيع نظامٍ دفاعي مُتطوّر لحماية الحدود الأمريكية، من قِبل شركة ليوناردو الإيطالية.

وبالفعل، عرض مفاوضو التجارة من الاتحاد الأوروبي على إدارة ترامب زيادة مشتريات الغاز الطبيعي المسال، وإعفاءً متبادلاً من الرسوم الجمركية على السلع الصناعية. وحتى الآن، لم تُسفر هذه العروض عن أي بوادر تُذكر على تحقيق تقدم يُذكر.

وفي حديثها لقادة الأعمال الإيطاليين الثلاثاء، قدمت ميلوني تقييماً صريحاً للمهمة الجسيمة التي تنتظرهم، حيث قالت ساخرة: «لا أشعر بأي ضغط، كما تتخيلون، بشأن اليومين المقبلين. سنبذل قصارى جهدنا، كعادتنا. أنا بالتأكيد أُدرك ما أُمثله، وأُدرك ما أُدافع عنه».


ـ خلافات علنية

حظيت زيارة ميلوني بإشادة واسعة بمقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، حيث يسعى المسؤولون جاهدين لاغتنام فرصة إعادة إطلاق المحادثات بعد سيل الرسوم الجمركية، ويدرك بعض الدبلوماسيين الأوروبيين تمام الإدراك أن ترامب، الذي يميل إلى السخرية من الاتحاد الأوروبي، لا يبدو مهتماً بقادة الاتحاد نفسه، مفضلاً التعامل مع قادة مثل ميلوني والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ورغم ترحيبهم بجهود ميلوني، سارع مسؤولو الاتحاد الأوروبي إلى التذكير بأن مفاوضات التجارة من اختصاص السلطة التنفيذية، أي المفوضية الأوروبية، برئاسة أورسولا فون دير لاين، وأفادت المتحدثة باسمها أنها وميلوني على «تواصل مستمر» بشأن زيارة واشنطن، ووصفتها بأنها «مبادرة تواصل» مرحب بها.

وبحسب مراقبين، فإن هذا لا يعني أن الزيارة لم تُسبب بعض الخلافات، فقد حذّر وزير الصناعة الفرنسي في البداية من أن اللقاء قد يصب في مصلحة ترامب ويؤدي إلى انقسام أوروبا، مع أن متحدثاً باسم الحكومة الفرنسية رحّب لاحقاً باللقاء. وفي إيطاليا، انتقدت المعارضة من يسار الوسط اللقاء، بل ووصفته بالمحرج بالنظر إلى الحرب التجارية الحالية.

وفي غضون ذلك، دعا نائب رئيس الوزراء ومنافس ميلوني السابق ماتيو سالفيني، إلى تغليب مصالح إيطاليا على مصالح أوروبا، لكن مراقبين يقولون إنها تُدرك تماماً أن أي اتفاق تجاري ثنائي سيُعتبر غير قانوني من قِبل الاتحاد الأوروبي، وسيُسبب لها مشاكل أكبر من الرسوم الجمركية الأمريكية نفسها. وقد صرّح أنطونيو تاجاني، نائبها الآخر الذي يشغل أيضاً منصب وزير الخارجية، بأن ميلوني واضحة الرؤية بشأن مهمتها.

ـ مكاسب وخسائر محتملة

ويؤكد إغناسيو غارسيا بيرسيرو، المسؤول التجاري السابق في المفوضية الأوروبية، أن ميلوني لن تجني الكثير من المكاسب، بل ستخسر الكثير، إذا سعت للحصول على استثناءات لمنتجات إيطالية مثل زيت الزيتون، فعلى سبيل المثال، يعمل العديد من الإيطاليين في وظائف صناعية تُعنى بتصنيع قطع غيار السيارات للمصانع الألمانية، ما يعني أنهم سيظلون متضررين بشدة إذا لم تُبرم اتفاقية تجارية أوروبية شاملة.

والآن، يرى الاتحاد الأوروبي فرصة سانحة للمفاوضات بعد قرار ترامب بتعليق الرسوم الجمركية الشاملة بنسبة 20%، لكن دبلوماسيين أوروبيين يقولون إنهم ما زالوا يكافحون من أجل توضيح ما يريده البيت الأبيض حقاً.

وكبادرة حسن نية، أوقف الاتحاد الأوروبي إجراءاته المضادة للرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب، ولا يزال يبحث رده على رسوم السيارات. كما حذّر قادة الاتحاد الأوروبي من أنه قد يردّ بقوة على الرسوم الأمريكية إذا انهارت المفاوضات خلال فترة التوقف التي تستمر 90 يوماً، حتى أنهم طرحوا احتمال استهداف الخدمات الأمريكية من شركات التكنولوجيا الكبرى.

لكن ميلوني تقود المعسكر الذي يبحث عن نهج أكثر تصالحية، ويعتبر مراقبون أن معيار النجاح هو «الخطوة الأولى»، من دون توقعات بشأن الوصول إلى الهدف الرئيسي خلال ساعات قليلة. وقال وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروسيتو «أعتقد أن جورجيا ميلوني، أكثر من أي زعيم أوروبي آخر، قادرة على التحدث إلى ترامب، لشرح الأسباب التي تجعل هذا التحالف الغربي يجب أن يستمر».

ـ نقاط التوافق بين ترامب وميلوني

ميلوني البالغة من العمر 48 عاماً، تترأس أكثر الحكومات الإيطالية يمينية منذ فترة موسوليني، وتُصنّف ضمن قائمة القادة الذين يعتبرهم ترامب أصدقاء، حيث وصفها بأنها «سيدة رائعة»، واستضافها في منتجع مارالاغو، ودعاها لحضور حفل تنصيبه في يناير/كانون الثاني.

ويتفق ترامب وميلوني بشأن حملات ترحيل المهاجرين، وغيرها من الملفات، كما كانت أيضاً من القادة الأوروبيين القلائل الذين دافعوا عن نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس بعد خطابه المثير للجدل في ميونيخ، والذي انتقد فيه أوروبا لعزلها أحزاب اليمين المتطرف، لكن يتساءل المراقبون فيما إذا كانت تستطيع تحقيق تعهدها بأن تكون حلقة الوصل القوية بين أوروبا وترامب.

وتأتي الزيارة في وقت يسابق الاتحاد الأوروبي الزمن للاستفادة من فترة تجميد الرسوم الجمركية الأمريكية لمدة 90 يوماً، بالإضافة إلى خفض الرسوم المفروضة بالفعل على الصلب والسيارات، فيما تأتي الزيارة في وقت لا تزال بلجيكا والولايات المتحدة بعيدتين عن التوصل إلى اتفاق تجاري بعد جولة جديدة من المحادثات، الاثنين، وأيضاً خلال أسبوع مهم للعلاقات الإيطالية الأمريكية، حيث ستعود ميلوني سريعاً إلى روما لاستضافة نائب الرئيس الأمريكي الجمعة.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"