لطالما تحدث المختصون والعلماء، عن الدور الحيوي والمهم الذي تقوم به الأسرة في مجال تعليم الطفل وتجهيزه، للحياة التعليمية والمعرفية التي تقدمها مؤسسات التعليم على اختلاف مراحلها. وهناك دراسات وبحوث في مجال التربية والتعليم، تربط ربطاً تاماً وواضحاً بين الدور الحيوي والمهم لمؤسسات التعليم وواجبات وأدوار الأسرة.
تظهر الحاجة والأهمية البالغة لمثل هذا التعاون، والربط والمشاركة بين الأسرة ومؤسسة التعليم، في هذا العصر، وتزداد تلك الأهمية، لأن الحاجات التعليمية والمعرفية لأبنائنا باتت أكثر تخصصية، وتتطلب المزيد من المهارات، وفي اللحظة نفسها الدقة والحيوية، لما لها من تأثير بالغ في حاضر ومستقبل أبنائنا.
توجد دراسة مهمة جداً، أجرتها الباحثتان الأمريكيتان البروفيسورة نانسي هيل Nancy E. Hill من جامعة هارفارد، وديانا تايسون Diana F. Tyson من جامعة ديوك، حيث نشرت دراستهما الشهيرة عام 2009 في مجلة Developmental Psychology التابعة لجمعية علم النفس الأمريكية. اعتمدت هذه الدراسة على تحليل شمولي Meta- Analysis لـ 50 دراسة علمية، تناولت أثر مشاركة الوالدين في التعليم على تحصيل الطلاب في المرحلة المتوسطة. وكانت نتائج هذا التحليل بالغة الأهمية؛ إذ أظهرت أن أكثر أشكال المشاركة الأسرية تأثيراً في رفع مستوى الطلاب ليست مجرد المساعدة التقليدية في أداء الواجبات المدرسية، بل ما أطلقت عليه الدراسة مفهوم التنشئة الأكاديمية Academic Socialization. ويتضمن هذا المفهوم مجموعة من الممارسات التربوية الذكية مثل: نقل توقعات الأسرة الأكاديمية بوضوح لأبنائهم، وربط الدراسة بحياة الطالب المستقبلية وأهدافه المهنية، وتدريب الأبناء على استراتيجيات التفكير والتعلم الذاتي، وتعزيز قناعة الأبناء بقيمة التعليم ودوره في النجاح. اللافت في هذه الدراسة، أنها بينت أن التدخل المباشر والمتكرر في أداء الواجبات المدرسية قد يرتبط سلباً بأداء الطالب، وأن حضور أولياء الأمور للاجتماعات والأنشطة المدرسية له أثر إيجابي، لكنه محدود.
وهذه الدراسة، كما هو واضح، تقدم رسالة تربوية حديثة، وتوضح أن دور الأسرة ليس في الرقابة أو المساعدة في حل الواجبات المدرسية، بل في بناء وعي للابن بالتعليم، وربط هذا التعليم بحياته وطموحاته ومستقبله .
وبالتالي، لم يعد دور الأسرة مقتصراً على كونها بيئة تحضن التعليم للابن وتراقبه، بل هي محرك وموجه للمسار التعليمي نفسه، وداعمة بشكل مباشر وغير مباشر، وهي من يقع عليها غرس قيمة التعليم وأهميته في قلب وعقل ابنها. وبالتالي، فإن العملية التعليمية منقوصة من دون الأسرة ووجودها، مهما بلغت التقنية من تطور، ومهما تم تحديث طرق التدريس.
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







