علي قباجة
نحو 560 يوماً وغزة تحت النار، إذ دُمّرت وسُحقت وسُوّيت بالأرض وبات بنيانها أثراً بعد عين، وقُتل وأُصيب من أهلها عشرات الآلاف، بآلة عسكرية ضخمة، على بقعة جغرافية لا تتجاوز حيّاً من أحياء المدن الصغيرة في هذا العالم، الذي أغمض عينيه وأصمّ أذنيه عن أكبر جريمة إبادة وُثِّقت بالصوت والصورة، وكان البشر جميعاً شاهدين عليها.
غزة تُباد على رؤوس الأشهاد ولم تبقَ فيها روح تنبض حتى تتذرّع إسرائيل باستمرار حربها لما تسميه «تحقيق أهدافها»، فالتوصيف الدقيق الآن لما يحدث، هو قتل لأجل الإبادة فقط، وتهجير ما تبقى من أهلها النازحين أصلاً، الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، من دون أدنى مقومات حياتية، من غذاء ودواء وماء، بل إن كثيراً منهم ينتظر دوره للقتل جرّاء استهدافات تقصد تحويل حياتهم إلى جحيم، والضغط عليهم ليرفعوا الراية البيضاء، ويختارون الرحيل على الموت.
عرائض جماعية من الجيش الإسرائيلي والنخب السياسية تطالب حكومة بنيامين نتنياهو بوقف الحرب العبثية، بعدما فقدت جدواها، حيث يرون أن أهداف الحرب قد حُقّقت، وأن إعادة الأسرى تُعدّ أولوية، إلا أن كل ذلك قوبل برفض كبير، ولا تزال إسرائيل بحكومتها تصرّ على مواصلة المقتلة، حتى لو كان ذلك على حساب دماء ما تبقى من أسراها الأحياء.
ورغم الوساطات والمحادثات الماراثونية، فإن ذلك لم يفضِ إلى نتيجة حتى هذه اللحظة، فلا تزال إسرائيل تصرّ على شروطها التي أبرزها استمرار الإبادة بعد هُدَن مؤقتة تستعيد فيها أسراها، وهو ما يعيق التوصل إلى حل ينقذ أهالي غزة من مصير بشع ينتظرهم بعد أشهر من العذاب والآلام.
ويبدو أنه لا وقف للقتال قريباً، فإسرائيل تحاول كسب الوقت، لتنفذ خطة التهجير التي دعمها الرئيس الأمريكي ترامب، فهذه تُعدّ فرصة مثلى لنتنياهو لفرض وقائع جديدة تكون فيها غزة ضمن إسرائيل، أو تحت وصايتها المباشرة مع عدد سكان قليل يمكن السيطرة عليه، بحيث تُنهي معضلة القطاع للأبد، وتصحح «الخطأ التاريخي»، من المنظور الإسرائيلي، بعدم تهجيرهم في حرب النكسة 1967.
إسرائيل لن توقف مقتلتها حتى لو تواصلت الحرب لأشهر عدة أخرى، إذ إن حكومة نتنياهو مؤمّنة داخلياً بعدم السقوط نتيجة تحالفات الأحزاب اليمينية.
الحل الآن يكمن في الضغط على الإدارة الأمريكية لإجبار إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي والإنساني، لأن غير ذلك لا مناص من نزف المزيد من الدماء، خصوصاً مع تبخر القيم والأخلاق الدولية مع هذا الامتحان الذي فشل فيه المجتمع الدولي بأكمله.