الخيارات القاتلة

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

ما من أمة استهلكت الأزمنة بلا جدوى وأهدرت فرصاً لاحت للانطلاق بقدر ما فعلت الأمة العربية التي تملك معظم بلدانها قدرة على المراوحة في المكان وتبديد ما يتوفر لها من ثروات طبيعية وبشرية تؤهلها لمقارعة دول غربية.
منذ تحررت من الاستعمار، غاصت معظم البلدان العربية طويلاً في تفاصيل إيديولوجية أخذتها سنوات إلى معسكر ثم انتقلت منه إلى آخر، وفي كل مرة يغلب الحماس لأفكار وتوجهات تعتاش عليها نخب توزع نفسها على هياكل إدارية ترفع رايات المستقبل المشرق، وباسمه تغتنم كل مقدرات الأوطان.
على هذه الرايات، شُنقت أحلام أجيال، وفي ظلها احتكرت قلة الوطنية والوطن، وتوسعت النخب المسيطرة في تغييب مخالفين وإصابة الحالمين باليأس.
والأنكى أن النخب نفسها تناسلت وتصارعت داخل كل بلد، وعلى مستوى البلدان المبتلاة بها، رغم ارتباطها بأصل فكري واحد أو انتمائها إلى المعسكر نفسه، فشاعت الانقلابات والتفاهمات الدموية، والضحية الأبرز دائماً بلدان وشعوب تراوح مكانها، بل تعود إلى الوراء، رغم أن نخبها كافة تدّعي وصلاً بالمستقبل.
كل ذلك أهلك الحرث والنسل في بعض البلدان بتأسيسه قواعد للفساد والإفساد والانقسام استقرت طويلاً وحُرّم على الناس الخروج عليها، فكان أن راجت التجارة بالسياسة والتجارة بالدين، ودخلنا في دائرة عبثية أخرى بالحرب بين المتكسبين من التجارتين، أو التحالف بينهما على جثث بعض الأوطان والشعوب. ومضى كل طرف في هذه الثنائية يخوّف من الآخر، ويجتمعان في ظروف كثيرة على التخويف من بديلهما، ويحشد كل منهما ضد الآخر ويستعين بغرباء في وجه خصمه، فتصبح الخيارات كلها قاتلة لأحلام الشعوب: إما دوام الاستبداد، أو ظلمة تيارات دينية، أو رهن القرار الوطني بمساعدة أحدهما أو كليهما لقوى خارجية.
كل ذلك ومعظم دول العالم، وبينها قلة عربية، تبني مجدها وتنتصر لقيادات لا تعرف إلا بكل خيار ينهض بالوطن ويشرك المواطنين في صناعة المستقبل باعتبارهم أصحاب حق في ذلك، لا منتظري إحسان.
وكان طبيعياً بعد أن ترهلت الأفكار والسياسات أن نصحو على سنوات الفوضى باسم التغيير أو الثورة على ما طال بقاؤه وزرع العفن في أرجاء عربية كثيرة. ودارت دورة أخرى من التكالب على ثروات الأوطان، بما فيها شعوبها، فنجت بلدان بعد أن دفعت الثمن من استقرارها وتماسك مجتمعاتها وتخلصت من خاطفيها على وقع الفوضى، وبقيت أخرى عاجزة عن الاهتداء إلى سبيل، يتصارع فيها تاجرا الدين والسياسة وانقسم سلاح أكثر من بلد بين أصحاب المصالح المتنازعين على كل شيء، لكنهم متفقون على التضحية بوطنهم وشعبهم.
إن العربي في كل بلد يتخطفه فريقان متصارعان أو أكثر من حقه أن يتخلص من هذه الخيارات القاتلة، وأن ينعم بقيادة تفتح أمامه مسارات المستقبل وتشركه في صنع القرار إيماناً بحقه في ذلك وفي التنعم بثروات وطنه التي احتكرها البعض طويلاً.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"