هل العنوان ينمّ عن سوء ظنّ بالأوضاع الثقافية العربية؟ كاد القلم أن يرتكب خطيئةً بالحديث عن التقوقع الثقافي في العالم العربي. من سلبيّات استفحال هذه الظاهرة، استنتاج أن بعض المثقفين لا يعرفون الفرق بين ثقافة شعب، وثقافة أمّة. في الأخيرة، يجب العمل على مستويين متوازيين: تنمية الثقافة المحليّة، بتشجيع الإبداع ودعمه أكاديميّاً وإثراء البحوث والدراسات المناسبة، بالتوازي مع توسعة العمل الثقافي المشترك عربيّاً في جميع المجالات المعنيّة.
لا داعي إلى الحديث عن أهمية العمل العربي المشترك، أو مساوئ انعدامه، فالشواهد السياسية والاقتصادية أبلغ بياناً. الواضح للعيان سطحيّ ولا علاقة له بالعمق الثقافي. من ذلك التنافس الإيهامي في مسلسلات رمضان والمهرجانات الموسيقية وما شاكلها. في حين لا نرى أيّ جهد أكاديمي يبذل على صعيد الارتقاء بالموسيقى العربية، والإنتاج التلفزيوني. من غير المعقول أن تظل الأوساط الثقافية، بمفكّريها ونقادها وأساتذة الفنون فيها، تنظر بلامبالاة إلى الانحدار في الميادين، التي ينتظر الناس منها الإبداع والتطوير والتجديد، وكأن الذوق العام غير ذي بال. يجب العدول عن توهّم أن مظاهر الثقافة المهرجانية يمكن أن تؤتي أكلها وتفضي إلى الفضاءات والآفاق التي ترتقي بالفنون.
المعايير بسيطة ولا تحتاج في إدراكها إلى ذكاء بشري أو اصطناعي. عندما ترى المعاهد الموسيقية مهمّشةً نائمةً ولا دور لها، وحين لا تجد مراكز بحوث علمية موسيقية، وإذا قرأت عبارات كاريكاتوريةً مثل: «الفنانة الفلانية كسّرت الدنيا بفستان من تصميم كذا»، فأنت بحمد الله تحفظ الفاتحة.
عجباً لبعض المثقفين الذين لا يزالون سائرين على خطى الماضين، يتصورون أن ارتقاء الفنون يقتصر على طفرات الإبداع الفردي. للعبقرية مكانتها قامةً وهامةً وشموخاً، ولكن البحث العلمي في العلوم ذات العلاقة، ضرورة حيويّة. ما كل فنّان يستطيع أن يكون مبدعاً وفي الوقت نفسه باحثاً بحّاثة. جان سباستيان باخ مثلاً طبّق الهندسة والرياضيات في الموسيقى، «وليس كل ذوات المخلب السّبُعُ». على الأوساط الثقافية العربية أن تفكر بطريقة عصرية حديثة في الجوانب النظرية، التي هي أسس الارتقاء بالفنون. الارتقاء بها محليّاً، فالنرجسية هنا مطلوبة مرغوبة، فعشق الوطن إيمان وأمانة، ثم يأتي الارتقاء الأكبر عندما يلتئم شمل المبدعين العرب، ويعكفون على تجديد الفنون نظريةً وتطبيقاً.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاعتذارية: الانعزالية كلمة مقيتة، لكن، يبدو أنها في محلها. ما هو نقيض العمل المشترك؟
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







