عادي

«معركة الرؤساء» تشعل أمريكا.. كسر ثلاثي نادر لقاعدة الاحترام المتبادل

00:40 صباحا
قراءة 5 دقائق
«معركة الرؤساء» تشعل أمريكا.. كسر ثلاثي نادر لقاعدة الاحترام المتبادل

بطريقة غير مسبوقة في التاريخ الأمريكي المعاصر، كسر ثلاثة رؤساء سابقين دفعة واحدة، عرفاً رئاسياً عريقاً يقوم على قاعدة «الاحترام المتبادل»، وذلك لمهاجمة الرئيس الحالي دونالد ترامب، والذي اعتاد بدوره توجيه الهجمات اللاذعة لسابقيه، وكان من أبرزهم بالطبع سلفه الديمقراطي جو بايدن.

ويعود العرف الرئاسي الأمريكي، الذي يضمن عدم مهاجمة أي من الرؤساء السابقين، زميلهم الموجود في البيت الأبيض، باعتبار أن للولايات المتحدة رئيساً واحداً، إلى عام 1976، عندما طور جيمي كارتر وجيرالد فورد ما أُطلق عليه آنذاك «الاحترام المتبادل» و«الصداقة الشخصية المكثفة»، بعد صراع مرير بينهما، واتفقا على أن أطول شخص يعيش سوف يتحدث في جنازة الآخر.

لكن على مدار الأيام القليلة الماضية، قام الرؤساء الثلاثة السابقون بيل كلينتون، وباراك أوباما، وجو بايدن، بمهاجمة سياسات ترامب، وحذروا من خطورة قرارته حول القيم الأمريكية التقليدية.

وبدأت القاعدة في التلاشي، بعد أن حثّ أوباما الأمريكيين على مقاومة ما وصفه بـ«تنمّر ترامب»، ثم حذّر بايدن من أن ترامب يُقوّض «الوعد المُقدّس» للضمان الاجتماعي، وتبعه كلينتون بالتركيز على المظالم والحاجة إلى الهيمنة.

وفي فترة استثنائية من التاريخ الأمريكي، وعلى مدار نحو أسبوعين، صعد الرؤساء السابقون إلى مسرح فعاليات عامة، وقالوا، إنهم يدقون ناقوس الخطر بشأن ما يجري في الولايات المتحدة راهناً، رغم أنهم لم يذكروا ترامب بالاسم صراحة، لكن رسالتهم كانت جلية. وقال الرؤساء الديمقراطيون الثلاثة، ما مفاده: إن هذه «أوقات استثنائية للديمقراطية الأمريكية»، وإن الأعراف تُهمَل، وأشاروا إلى أن «هناك حاجة إلى إجراءات استثنائية».

ـ بوش يمتنع:

أما الرئيس الأمريكي الوحيد الباقي على قيد الحياة والذي لم يُصرِّح بكلمة منذ يوم تنصيب ترامب فهو الجمهوري جورج دبليو بوش، مع أنه لم يُخفِ امتعاضه من ترامب.

وتحدث أوباما في الثالث من إبريل/ نيسان في كلية هاملتون في شمال ولاية نيويورك، إحدى أقدم الكليات في البلاد، حيث انتقد مسعى ترامب لما وصفه بمحاولة إخضاع الجماعات وغيرها من المؤسسات لسياساته، وحث أولئك الذين لديهم الموارد على رفض مطالب البيت الأبيض.

وقال أوباما: «يقع على عاتقنا جميعاً إصلاح هذا الوضع، وإن أهم منصب في هذه الديمقراطية هو المواطن، الشخص العادي الذي يقول: لا، هذا ليس صحيحاً».

أما بايدن، وفي حديثه في شيكاغو الثلاثاء خلال مؤتمر عن ذوي الإعاقة، فقد ندد بتخفيضات الضمان الاجتماعي، في أول تصريحات علنية له منذ مغادرته البيت الأبيض. وقال بايدن: «آخر ما يحتاج إليه المستفيدون من حكومتهم هو القسوة المتعمدة»، مضيفاً: «في أقل من 100 يوم، خلفت الإدارة الحالية ضرراً ودماراً كبيراً».

بدوره، ألقى كلينتون كلمةً في حفلٍ بمدينة أوكلاهوما السبت لإحياء ذكرى تفجير مبنى ألفريد موراه الفيدرالي قبل 30 عاماً، والذي أودى بحياة 168 شخصاً. وقارن كلينتون بين تضافر جهود المدينة والانقسامات الوطنية الحالية.

وقال كلينتون: «يبدو الأمر كما لو أن الجميع يتجادلون حول من لديه أكبر قدر من الاستياء، ومن له الحق في ذلك». وأضاف: «إذا كانت ستُهيمن على حياتنا محاولات السيطرة على مَن نختلف معهم، فإننا سنُعرّض مسيرة 250 عاماً نحو اتحاد أكثر كمالاً للخطر».

كما أشاد كلينتون بما يقدمه الموظفون الفيدراليون في وقت يُقلّص فيه ترامب القوى العاملة الفيدرالية. كما قال عن فضيلة التواضع: «من الجيد أن تعترف بخطئك بين الحين والآخر».

ـ ماذا يقول المؤرخون؟

يقول المؤرخون، إنه من غير المعتاد أن ينتقد رئيس واحد خليفته علناً، نظراً للتقاليد الأمريكية في انتقال السلطة بسلاسة، ومبدأ وجود رئيس واحد في البلاد. وقد يكون قيام ثلاثة رؤساء بذلك في مثل هذا الوقت القصير أمراً غير مسبوق.

لكن المؤرخ في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا تيموثي نفتالي دافع عن موقف الرؤساء الثلاثة قائلاً: «يتمتعون بمؤهلات فريدة، وهم في وضع يسمح لهم برفع أصواتهم وتحذير الشعب الأمريكي إذا ما كانت البلاد تتجه نحو منعطف خطر، من وجهة نظرهم»، وأضاف: «اعتبروهم بمنزلة مجلس استشاري لشعب الولايات المتحدة. وعندما يدقّ المجلس الاستشاري ناقوس الخطر، ينبغي على الشعب أن يصغي».

وقال نفتالي: «الأمر المهم حقاً هو أن هذا يحدث قبل نهاية المئة يوم الأولى من رئاسة ترامب. وعادةً، يمنح الرؤساء السابقون الرئيس الحالي مساحةً لتثبيت أقدامه.. لكن يبدو أنهم أدركوا معالم التغييرات التي يطمح ترامب إلى تحقيقها».

ـ هجمات ترامب الضارية:

ورغم حديث الرؤساء الثلاثة من منطلق التقاليد والقيم الأمريكية الأصيلة، لكن علاقتهم بترامب اتسمت أيضاً بعدم الود، إذ وجّه لهم سابقاً هجمات وإهانات علنية، فقد سخر ترامب من «جو بايدن النائم»، واصفاً إياه بأنه شخصٌ مُسنّ خرِف لا يفقه ما يقوله في أغلب الأحيان. وبعد ثلاثة أشهر من ولايته الثانية، يواصل انتقاده باستمرار.

وبعد أن هزمه بايدن عام 2020، زعم ترامب أن الانتخابات سُرقت، وهو ادعاء لا يزال متمسكاً به، ثم هاجم نجل بايدن، هانتر، ووصفه بالمجرم ومدمن المخدرات، وأنهى مؤخراً حماية جهاز الخدمة السرية لهانتر وأخته آشلي، ومن المعلن أن نجل بايدن اعترف علناً بدخوله في دوامة الإدمان بعد وفاة شقيقه بو.

وعندما ترشح أوباما للرئاسة لأول مرة، ألمح ترامب إلى أنه لم يولد في الولايات المتحدة، وهو ادعاء اعتبره الكثيرون عنصرياً، كما هاجم بشدة هيلاري كلينتون، منافسته في انتخابات عام 2016، واصفاً إياها بـ«هيلاري الفاسدة» بينما هتفت حشوده: «احبسوها!».

بدورهم، قال الرؤساء الديمقراطيون: إن اتهام ترامب بانتهاكات المبادئ القانونية والديمقراطية تجعله غير مؤهل للرئاسة. وفي عام 2022، وصف بايدن مؤيدي ترامب بأنهم «تهديد لديمقراطيتنا ذاتها»، وقال: إن الحزب الجمهوري بزعامة ترامب اتجه نحو «شبه الفاشية». وقال، إنه ترشح للرئاسة في عام 2020 بسبب دعم ترامب للعنصريين بعد أحداث العنف في شارلوتسفيل.

وخلال السباق الرئاسي الأخير، وصف أوباما ترامب بأنه «ملياردير يبلغ من العمر 78 عاماً ولم يتوقف عن التذمر من مشاكله» وقارنه بالرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو «الذي كان يتحدث عن نظريات المؤامرة».

كما سخر كلينتون، الذي ترك منصبه قبل 24 عاماً، من عمر ترامب في المؤتمر الوطني الديمقراطي في أغسطس/ آب، ثم كرر ذلك السبت، مشيراً إلى أنه أصغر سناً. وقال كلينتون في إشارة لترامب إنه «مثالٌ للثبات.. لا يزال يُقسّم ويُلقي باللوم ويُقلّل من شأن الآخرين».

ـ اختلاف علني نادر:

هذا النوع من الهجمات اللاذعة، ليست شائعة بين الرجال الذين تولوا أعلى منصب في الولايات المتحدة، فبينما سبق أن اختلف الرؤساء، غالباً ما يسود نوع من الهدنة بينهم.

وبعد خوض سباق مرير ضد بعضهما في عام 1976، طور جيمي كارتر وجيرالد فورد ما أسماه كارتر «الاحترام المتبادل» و«الصداقة الشخصية المكثفة». وعندما كشف بوش عن صورة كلينتون عام 2004، تحدث بمودة قائلاً: «لقد أسهمت السنوات كثيراً في إبراز نقاط قوة هذا الرجل.. ملأ الرجل البيت الأبيض بالطاقة والبهجة».

ولكن مثل هذه المشاعر لم تكن واضحة إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، حتى عندما ظهر الرئيسان معاً في جنازة كارتر وحفل تنصيب ترامب، وكلاهما في يناير/ كانون الثاني الماضي.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"