هل اتفق لك أن خطر على بالك موضوع مثير، فلمّا عزمت على طرحه اكتشفت أنك وقعت في موضوع أشدّ إثارة؟ أمّا البداية فقد كانت في ما وصفه القلم بالانقلاب التاريخي في الشعر الفارسي. كلمة انقلاب قليلة. منذ زمن، كان الأدباء والنقاد الإيرانيون يختلفون في الشاعر الأحق بالقمّة. كان الجدل يحتدم عند التصفية الأخيرة: جلال الدين الرومي، حافظ الشيرازي، سعدي الشيرازي. في هذا المستوى، تنحصر الموازنة والمفاضلة في المعايير الذوقية الفرديّة.
الانقلاب من الوزن الثقيل، فالإعلان جاء في حوار للدكتور محمد رضا شفيعي كدكني (85 سنة)، وهو أكبر الأدباء والنقاد الإيرانيين، شاعر وأستاذ جامعي، حاضَرَ في أكبر الجامعات الأمريكية والبريطانية واليابانية. قال: «عند الحديث عن الشاعر عبد القادر بيدل دهلوي، فالأمر يتجاوز حافظ وسعدي وغيرهما». كلام كبير يقلب كل الموازين في الأدب الفارسي. للعلم، شبه القارة الهندية حفلت بأكثر من ألفي شاعر كتبوا أشعارهم باللغة الفارسية، من بينهم بيدل دهلوي، الملقب بأبي المعاني.
تجدر الإشارة إلى أن الدكتور كدكني، في كتابه «موسيقى الشعر» ( 680 ص ، الطبعة الرابعة 1994)، ذكر في فصل «قيامة المعاني» أن عدداً من كبار النقاد يرون الشاعر الهندي بيدل دهلوي في مستوى حافظ الشيرازي. لكن بيانه اليوم شيء مختلف، فبعد قرابة ستة عقود من تدريس الأدب في جامعة طهران، يفاجئ الجميع بإعادة النظر في الشعر الفارسي. للتوضيح: كثرة شعراء الفارسية في الهند ناجمة عن أن هذه اللغة كانت الرسمية في شبه القارة طوال مئة وخمسين عاماً. من ذلك أن الأوردية 30% منها فارسي و30% عربي والباقي هندي ومغولي وإنجليزي. محمد إقبال اللاهوري أغلب أعماله بالفارسية.
بيدل دهلوي (1642-1720) شاعر غزير، الأجزاء الأربعة في ديوانه نحو من ثلاثة آلاف وخمسمئة صفحة. عنوان الفصل «قيامة المعاني» استمدّه الدكتور كدكني من بيت للشاعر يخاطب فيه نفسه، على طريقة ما يُعرف في الشعر الفارسي بالتخلّص، وهو أن يذكر الشاعر اسمه في آخر المقطوعة بما يشبه الإمضاء: «يا بيدل، إن حديثي مصنع حشر المعاني.. كلماتي مثل هدير نفير ذلك النشور». يرى الكاتب أن هذا البيت حدّ فاصل بين الشعر واللاشعر. في اللاشعر تكون الكلمات رميماً لا حياة بها، يهبّ الشعر، فتنبعث المعاني من أجداث الكلمات.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاجتياحية: مع الصعود الاقتصادي الهندي، يبدو أن على إيران أن تنتظر زحفاً أدبياً هندياً. لم ينس القلم الموضوع الأشد إثارة. أليس الصبح بقريب؟
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







