كانت أعمال حسن شريف الفنية، وبخاصّة تلك التي كان يفردها أو يعرضها على الأرض والمكوّنة من الحبال والقماش والكرتون، موضع استهجان، بل سخرية الكثير من المشاهدين المولعين بالفن، ومن هؤلاء كتّاب ومثقفون بل وبعض الفنانين في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين. ولم يكن حسن شريف يقابل الاستهجان بالاستهجان، أو السخرية بالسخرية، بل كان يبتسم دائماً، كان يبتسم ولا أقول كان يضحك، لأن فمه في الغالب كان ملموماً على الصمت، ذلك الصمت الوجودي العارم في داخله، والذي حوّله إلى أعمال فنية هي اليوم عالمية بامتياز، وبعض المتاحف، أو لنقل إن الكثير من محترفي الفن على مستوى الاقتناء والعرض والثقافة التشكيلية المعاصرة يبحثون اليوم في أي مكان كان يعمل فيه فنان الكراتين ذاك عن كرتونة ولو مهملة من تلك التي كان يؤسس بها تاريخاً جديداً، وثقافة جديدة للفن في الإمارات.
كانت ثمة مسافة ثقافية طويلة بين أولئك المستهجنين والساخرين، وبين حسن الشخص، وحسن الفنان، وحسن المثقف الذي كان يقرأ بثلاث لغات: العربية والفارسية والإنجليزية. كان قارئاً محترفاً لتاريخ الفن الذي درسه في بريطانيا، وكان قارئاً متذوّقاً للرواية والشعر، كما كان قارئ فلسفة وقد ابتعد بمزاجيّته الرائعة تلك عن كتب الأيديولوجيات والفكر المدوّر الذي شبّهه نزار قباني بحدوة الحصان، وكان يمتلك نفوراً داخلياً وخارجياً من السياسة والمصطلح والنظرية كما لو كان يمتلك في الوقت نفسه كفاءته الخاصة لتأسيس نظريته ومصطلحه، ولم يكونا (النظرية والمصطلح) عنده سوى اختزال الحياة برمّتها في يوميّاتها الليلية والنهارية، فقد كان يعيش الحياة بثلاثة أبعادها: الطول والعرض والعمق، فيما كان المستهجنون والساخرون على هامش الحياة، هناك في منطقة الجدب والخواء.
لماذا حسن شريف الآن؟ ذلك أن الكثير من الأرشيف المكتوب لمؤسس الأعمال الفنية المفاهيمية الأرضية، والمعلّقة، والكرتونية والخشبية والمعدنية لم يُجمع ولم يوثق ولم يصدر في كتب هي في الواقع لو صدرت لكانت الوجه الأدبي والثقافي والنقدي لحسن شريف، ومرة ثانية، من دون أن يغرق في نظرية، أو في مصطلح.
كتب حسن شريف عن محمد كاظم، وعبدالله السعدي، ومحمد أحمد إبراهيم، وكتب عن شقيقه حسين شريف، وكتب تأمّلات أو لنقل إيقاعات في الثقافة والأدب والحياة، فكيف كان يكتب؟ كان يكتب بعيداً تماماً عن الحرفة أو الحرفية الانطباعية أو الصحفية، ولم يكن يضع على رأسه قبعة المثقف أو يحمل عصا المايسترو، فلا هو كاتب بالمعنى المهني الضيق، ولا هو أستاذ أو عرّاب أو معلم. مرة ثانية، كان يبتسم.
عند كاتب هذه السطور مواد منشورة لحسن شريف في الصحافة الثقافية المحلية، وتوجد في أرشيفات الصحف الإماراتية مواد كتبها حسن شريف في مرحلة مبكرة من حياته، منذ أن كان رسّام كاريكاتير، وهي فترة فنية قصيرة في حياته يعرفها جيداً أصدقاؤه الفنانون والشعراء، هو من كان الأقرب من الفنانين التشكيليين للشعراء: خالد البدور، نجوم الغانم، خالد الراشد، أحمد راشد ثاني، عادل خزام، علي العندل، محمد المزروعي، حمدة خميس. وهؤلاء ساعدوا حسن على تحمّل كآبة وخشبيّة المستهجنين والسّاخرين، ليبتسم.
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







