عادي
عقل عربي وإسلامي شارك في بناء الحضارة الإنسانية

ابن سينا.. قامة فكرية جمعت بين الطب والفلسفة والفنون

23:40 مساء
قراءة 3 دقائق

أبوظبي: ميثا الأنسي

يسلط «أبوظبي للكتاب» الضوء على أحد أبرز أعلام الحضارة الإسلامية: الطبيب والفيلسوف الموسوعي ابن سينا، الذي تم اختياره كشخصية محورية للدورة الحالية، إلى جانب اختيار «ألف ليلة وليلة» ك«كتاب العالم»، احتفاءً بما تحمله هذه الحكايات من عمق أدبي وثقافي وإنساني.

ويمثل هذا الاختيار توجهاً ثقافياً واعياً يعيد الاعتبار للعقول التي صنعت الحضارة والكتب التي ألهمت أجيالاً متعاقبة ويأتي تكريم ابن سينا ليس فقط بوصفه عالماً في الطب والفلسفة، بل كشخصية متكاملة جمعت بين العقل والعاطفة، بين العلم والفن وشكلت مصدر إلهام خالداً في الثقافة العربية والإسلامية والعالمية على حد سواء.

ابن سينا شخصية محورية لهذا العام أكثر من مجرد احتفاء بعالِم موسوعي، بل هو استحضار لقامة فكرية جمعت بين الطب والفلسفة والفنون في تناغم نادر ويمثل نموذجاً للعقل الحر، الذي لا يحده تخصص ولا يقف عند حدود زمان أو مكان، ففكره لا يزال يُدرّس، وأثره حاضر في مناهج متعددة حول العالم، في زمن تتقاطع فيه التخصصات، تبدو شخصيته ملهمة أكثر من أي وقت مضى، لأنها تجسد روح الاجتهاد والبحث والتكامل المعرفي وهي القيم التي يسعى المعرض إلى ترسيخها بين الأجيال الجديدة من القرّاء والمبدعين

سبق عصره

وُلد ابن سينا في عام 980م، وعُرف في الغرب باسم «Avicenna» وهو أحد أعظم العقول التي أنجبتها الحضارة الإسلامية وتنوعت إسهاماته بين الطب والفلسفة والفلك والموسيقى والأدب، فكان نموذجاً للعالم الموسوعي الذي لا يحده مجال واحد وقد ترك ابن سينا إرثاً علمياً هائلاً، في طليعته كتابه الشهير «القانون في الطب».

ويُعد كتاب «القانون في الطب» لابن سينا أحد أعظم الأعمال الطبية في التاريخ، وظل مرجعاً أساسياً في الجامعات الأوروبية والعربية حتى القرن السابع عشر، في هذا الكتاب، لم يقتصر ابن سينا على وصف الأمراض وعلاجها، بل ناقش مفاهيم متقدمة مثل النظافة والتغذية والصحة النفسية وأسّس لما يعرف اليوم ب«الطب الوقائي»، كما وصف الجهاز البولي والتهاب السحايا بدقة ووضع تصنيفات للأدوية، ما يجعله بحق أحد رواد الطب العالميين.

رؤية فلسفية

وفي مجال الفلسفة، استطاع ابن سينا أن يدمج بين الفلسفة الأرسطية والتوجهات الأفلاطونية، ليؤسس ما يُعرف ب«الفلسفة الإسلامية العقلانية»، ناقش موضوعات الوجود والماهية والنفس وابتكر حجة فلسفية شهيرة تُعرف ب«الرجل الطائر» أو «الرجل المعلّق»، لإثبات استقلالية النفس عن الجسد، لم يكن تأثيره محصوراً في العالم الإسلامي، بل امتد إلى الفكر الأوروبي الوسيط، حيث تأثر به فلاسفة كبار مثل توما الأكويني.

الأديب والموسيقي

وبعيدًا عن الطب والفلسفة، كان لابن سينا جانب أدبي وفني قلّما يُذكر، فقد كتب الشعر واهتم بالموسيقى وتأثيرها في النفس البشرية واعتبرها جزءاً من العلاج الروحي، كما ألّف رواية رمزية ذات طابع فلسفي، وأبدع في مجالات الرسم والخيال، مُنتجاً معظم أعماله الكبرى قبل أن يبلغ سن الثلاثين، ما يعكس عبقريته المبكرة وتنوع اهتماماته.

«ألف ليلة وليلة».. كتاب العالم

وفي خطوة أخرى تعكس الانفتاح على التراث الثقافي العربي، اختار المعرض مجموعة «ألف ليلة وليلة» لتكون «كتاب العالم» لهذه الدورة وهي تجمع بين الخيال والحكمة والمغامرة والحب، ليست مجرد قصص تروى، بل نافذة إلى عوالم فكرية وثقافية واجتماعية وترجمت هذه الحكايات إلى عشرات اللغات وأثرت في الأدب العالمي من غوته إلى بورخيس وخلّدت شخصيات مثل شهرزاد وشهريار في الذاكرة الأدبية العالمية.

و«ألف ليلة وليلة» ليست فقط تراثاً أدبياً عربياً، بل سجلاً حياً لتاريخ الشعوب وتقاليدها وأساليب تفكيرها، وهي تمثل في سياق المعرض هذا العام حواراً حياً بين الماضي والحاضر وتؤكد على أن الكتاب لا يزال هو الجسر الأجمل الذي يعبر بنا من عالم إلى آخر.

الحضارة الإنسانية

باختيار ابن سينا شخصية محورية و«ألف ليلة وليلة» كتاباً رمزياً للمعرض، يقدم معرض أبوظبي الدولي للكتاب رسالة واضحة: أن الثقافة الحقيقية لا تعرف زمناً ولا حدوداً وأن العقل العربي والإسلامي كان وما زال، شريكاً في بناء الحضارة الإنسانية.

المعرض ليس فقط مساحة لعرض الكتب، بل منصة لتكريم الرموز واحتفاء بالإرث الثقافي وتأكيد على أهمية الكلمة في صناعة مستقبل أكثر وعياً وتواصلاً بين الشعوب.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"