البابا المحبّ للفقراء

00:13 صباحا
قراءة دقيقتين

عن ثمانية وثمانين عاماً غادر الدنيا أول بابا للفاتيكان قادم من أمريكا اللاتينية، البابا فرنسيس، واسمه الأصلي خورخي ماريو بيرغوليو. نشأ في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس. في البداية حصل على دبلوم في الكيمياء التطبيقية، ولاحقاً تخصّص في علم اللاهوت ونال شهادة فيه، فيما كان يواصل تدريس الأدب وعلم النفس. وهو في الثالثة عشرة، وبمساعدة من والده، عمل في مصنع للجوارب.
ستترك هذه التنشئة البسيطة أثرها في تكوين شخصيته الميّالة للتواضع والبساطة وإسداء الخدمة، والبعيدة عن مظاهر الترف والأبهة، وعزز من ذلك قربه من مدرسة «لاهوت التحرير» في أمريكا اللاتينية، والتي أظهرت اهتماماً غير مسبوق بقضايا الفقراء والمهمشين والمضطهدين في بلدان القارة، وهو القائل: «أريد كنيسة فقيرة للفقراء».
حمل هذا التوجه معه إلى الفاتيكان، وحرص على التعبير عنه في أكثر من مناسبة، منذ أن اعتلى منصبه، وتجلى ذلك حتى في تفاصيل قد تبدو بسيطة، لكنها مهمّة، بينها رفضه للسيارات الفاخرة واختياره أنواع سيارات بسيطة، مثل «فورد فوكس» في إيطاليا، أو «فيات 500L» التي حرص على استخدامها في زياراته الخارجية.
أظهر البابا أيضاً حرصاً لا يقل على ألاّ تبقى الكنيسة أسيرة مرجعيتها الأوروبية وحدها، وأن تمدّ جسور التواصل والتفاعل لا مع المسيحيين خارج أوروبا وحدهم، وإنما مع ممثلي الديانات الأخرى، وإليه ينسب قول يعود إلى عام 2014: «أوروبا جدة، لم تعد قادرة على الإنجاب»، وفي زيارة له إلى اليونان كان البابا واضحاً وشجاعاً في وصفه أوروبا بأنها «قارة تمزقها الأنانية القومية»، في إشارة إلى تعامل القارة العجوز مع موضوع المهاجرين، داعياً إلى التركيز على أسباب الهجرة مثل «الحروب المنسية»، عوض تسليط العقاب على أولئك الذين يتأثرون بنتائجها، «يجب مهاجمة الأسباب البعيدة لما آل إليه الوضع، وليس الفقراء الذين يدفعون ثمن العواقب ويتم حتى استغلالهم لأغراض الدعاية السياسية».
عرف بتفاعله مع القضايا العربية، وزار عدّة بلدان عربية، بينها الأردن ومصر والإمارات والمغرب والبحرين والعراق، حاملاً رسائل تدعو إلى قيم التسامح والمساواة والعيش المشترك، وربما هذا ما لخصته العبارة البليغة التي قالها في زيارته للعراق حين خاطب العراقيين: «أتيتكم حاجاً»، بكل ما تحمله مفردة الحج من دلالات خيّرة، وخلال احتفالات عيد الفصح الأخير، قبل ساعات من إعلان وفاته، وصف الوضع في غزّة بـ «المأساوي والمخجل»، وهو الرجل الذي أولى اهتمامه الأكبر لأن يحيا الناس في أمان وطمأنينة، بعيداً عن القتل والتهجير والدمار، ما لخصه محتوى آخر منشور له على منصة «إكس»، بمناسبة عيد الفصح، أي قبل وفاته بيوم، يقول: «المسيح قام! هذه الكلمات تُجسّد المعنى الكامل لوجودنا، لأننا لم نُخلق للموت؛ بل للحياة».

[email protected]

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"