إشكالية دور الأسرة في العملية التعليمية

00:03 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السويجي

لا نختلف على مبدأ استراتيجي يقول إن الأجيال المتعلّمة الحالية هي نواة المستقبل، منهم من سيكون العالم والطبيب والمهندس والاختصاصي في مجالات مختلفة، ومنهم من سيكون القيادي الإداري أو السياسي أو الاقتصادي أو المجتمعي أو التربوي والتعليمي، ومنهم أيضاً من سيكون العامل والمهني وغيره. وهذه مسلّمة لصيقة بدور العلم والتعليم في صياغة المستقبل الذي تتطلع إليه الدول الحريصة على جودة التنمية بوصفها ركيزة أساسية لمستوى العيش والحياة المأمولة التي نتطلع إليها جميعاً.
ودولة الإمارات من ضمن هذه الدول المنشغلة بكل طاقتها بشكل وحيثيات وجودة المستقبل، انطلاقاً من الخصوصية الاقتصادية كدولة اعتمدت على النفط ردحاً من الزمن، ثم بدأت، وبشكل مبكر، التنويع في الدخل، حتى حقّقت نِسباً عالية في هذا المضمار يؤهلها لتدخل مجتمع المعرفة الذي يعتمد العنصر البشري أداةً للإنتاج والابتكار والتطوير، من دون حصره في ثروة طبيعية، إذ كل الثروات الطبيعية، وفق المنطق الجيولوجي الزمني، آيلة إلى النضوب. وقد قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إن دولة الإمارات العربية المتحدة ستكون واثقة باستراتيجيتها حين تودّع آخر برميل نفظ بعد خمسين سنة، أو أكثر، وهي لا تزال تؤمّن عيشاً كريماً لمواطنيها وبمستوى عالٍ، ومعنى هذا نجاح النظام التعليمي والخطط التنموية والاستراتيجيات المستقبلية.
كنت أعتقد أننا انتهينا من الجدل بشأن تضافر الجهود بين المدرسة والأسرة، بل انتهينا من ضرورة إشراك الأسرة في العملية التعليمية، إدارياً أو تعليمياً أو تربوياً، وأن الأدوار متساوية من حيث الأهمية، من خلال مجالس أولياء الأمور ومشورتهم في تصميم المناهج التعليمية ووضع آليات التعامل مع الحالات المتعثّرة، لكن، وعلى الرغم من هذا، فإن دور المدرسة، بما فيها الهيئة التعليمية والهيئة الإدارية، هي المسؤول الرئيسي عن العملية التعليمية، ودور الأسرة هو دور مساند، ولكنه ليس دوراً ثانوياً.
ونحن، ولله الحمد، فإن الطلبة في جميع المراحل التعليمية حالياً هم أبناء أولياء أمور متعلمين ومثقفين واختصاصيين، ويستطيعون لعب دور مساند ومؤثر وحقيقي، من دون أن يكونوا المسؤولين الرئيسيين عن مستوى أبنائهم التعليمي، ولعلّ كثيرين اطلعوا على مناهج تعليمية عالمية تمنع الأهل من التدخل في التحصيل العلمي لأبنائهم، لأنه مسؤولية المدرسة والمؤسسة التعليمية، إلى درجة أن دولاً كثيرة تمنع المدرسين من إعطاء واجبات مدرسية يقوم بها في المنزل، وترى أن وقت الطالب خارج المنزل ملكه الخاص، للعب أو الاطلاع الخارجي، أو ممارسة مواهبه وهواياته. بل إن الطالب يحتفظ بكتبه ودفاتره في المدرسة، ويبقى دور الأهل محصوراً في المشاركة في رؤية المناهج ورسالتها، إضافة إلى الاهتمام بالسلوك وتهذيبه وتحسينه.
لهذا، فإنه من الغرابة بمكان أن نعطي الأسرة مسؤولية مركزية، أو نحمّلها مسؤولية تدنّي درجات الطالب، لأن المسؤول الأول والأخير هو المدرسة، بكل مدرّسيها ومعلّميها وخبرائها واستشارييها، وهي المسؤولة عن متابعة هؤلاء الطلاب المتعثّرين في التحصيل العلمي، وهي العالمة بظروف كل طالب من حيث قدرات التحصيل العلمي، وهي التي تعلم، وعلى دراية بهوايات ومواهب الطلاب وقدراتهم، وهي المسؤولة عن وضع خطط وبرامج لتنمية الهوايات وتنمية القدرات التعليمية لدى الطلاب.
والمدرس، بصفته المعايش للتلميذ يومياً، يجب أن يكون ملماً بأحوال الطلاب المتفوقين أو العاديين أو المتأخرين، ووضع الأهل في الصورة لا يقدّم ولا يؤخر بشكل مصيري، لأن الأهل أو الأسرة يجب أن يكون لهم أدوارهم الخاصة في اكتشاف المواهب والقدرات منذ العام الأول للطفل عن طريق المراقبة اليومية، وذلك من منطلق تربوي وعاطفي واجتماعي، ومن هنا يمكن تقديم الدعم للمدرسة، أما فيما يتعلق بالتحصيل العلمي، فلكل إنسان، طالباً كان أو عاملاً أو مهنياً أو موظفاً، قدرة محدودة، على التحصيل العلمي، مهما تعددت آليات التطوير، ومن هنا جاء تقسيم الطلاب إلى فروع علمية وأدبية أو مهنية. والمؤسسات التعليمية المتقدمة هي التي تكتشف، وبشكل مبكر، ميول وتوجهات الطالب، فتوجّهه إلى حقله وتخصّصه.
المؤسسات المتقدّمة لا تضيّع الوقت من خلال إيمانها بأن على جميع الطلاب أن يكونوا متفوّقين ونجباء، لأنه طلب عجيب وغريب، فهناك المتميز وهناك الجيد وهناك المقبول وهناك الضعيف، وهناك فرصة لكل شريحة من هؤلاء، فليس من الحكمة توجيه اللوم إلى الأهل، إن كان الطالب، ضعيفاً أو لا يحب تلك المادة ويحب أخرى، إذ لا علاقة للأهل في هذه الحالة، إنما هي طاقات وقدرات متنوعة، هي هبة ومنحة من الخالق، لهذا هناك طبيب وهناك ممرض وهناك مهندس وهناك عامل. البشر طبقات في القدرات العقلية والاستيعابية وحتى الوجدانية والأحاسيس، بل إنهم طبقات في نجاحهم في العلاقات الاجتماعية، ولا علاقة للتعليم بهذا، هي جينات وطبائع وميول وتوجّهات، ولا توجد مدرسة تستطيع خلق تلميذ عبقري من تلميذ محدود القدرات. وهذا ينطبق على الموظفين والأداء الوظيفي وأشكال التميّز.
الأسرة لها دور رئيسي، وكل فرد فيها له دور في مستقبل كل فرد في الأسرة، ويمكن أن تتحمل مسؤولية مطلقة لو أشرفت بنفسها على تعليم الأبناء، أما وأنها جهة مساندة، فلا يجب أن تُلام بقدرٍ غير منطقي.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"