عادي

الصراعات الطائفية.. «براميل بارود» تهدد الدولة السورية الجديدة

22:59 مساء
قراءة 4 دقائق

إعداد: محمد كمال
 

منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد، ضربت أعمال العنف الطائفي سوريا عدة مرات، ما أثار المخاوف بين العديد من الأقليات، لكن الإدارة الجديدة حاولت إرسال رسائل طمأنة للجميع، كاشفة عن مفاوضات جدية لدمج الشبكة المعقدة من الجماعات المسلحة المنتشرة في جميع أنحاء سوريا في الأجهزة الأمنية.

أزمة جرمانا وصحنايا

وفي حين تجري الفصائل الدرزية المسلحة محادثات مع الحكومة بشأن شروط اندماجها في الجيش السوري وقعت اشتباكات دامية بينها وبين عناصر أمنية حكومية حول العاصمة دمشق أسفرت عن سقوط ضحايا من الطرفين، حيث ثارت لدى الدروز تخوفات من هجمات مسلحة قد تستهدفهم.

وامتدت المعارك إلى بلدة أشرفية صحنايا وهي بلدة ذات أغلبية درزية تقع إلى الجنوب من دمشق، عندما هاجم مسلحون نقاط تفتيش ومركبات تابعة للقوات الحكومية وجاء ذلك في أعقاب اشتباكات اندلعت قبل يوم في جرمانا وهي بلدة أخرى على المشارف الجنوبية للعاصمة والتي تعد مركزاً لعدد كبير من الدروز.

الاشتباكات اندلعت بعد تداول مقطع صوتي على مواقع التواصل الاجتماعي يُزعَم أنه لرجل دين درزي هاجم فيه معتقدات دينية، لكن هذه الاتهامات كانت زائفة، فبعد نفي رجل الدين التهمة، أكدت وزارة الداخلية السورية أن نتائج التحقيقات الأولية أظهرت أنه ليس الشخص الذي ظهر في المقطع ومع ذلك لم تُفلح دعوات التهدئة، إذ اندلعت احتجاجات غلفتها الطائفية في عدد من المدن.

وبعد أحداث العنف في جرمانا، التقى مسؤولون سوريون شخصيات دينية درزية ووجهاء محليين في محاولة لإعادة الهدوء. واتفقوا على محاسبة المتورطين في الهجوم، ورغم أن الهدوء ساد في جرمانا، فقد فر بعض السكان خوفاً من فوضى وهجمات محتملة.

كما قال الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، أكبر تجمع سياسي درزي في البلاد: إن الزعيم السابق وليد جنبلاط اتصل بالقيادة السياسية في دمشق وكذلك بمسؤولين دوليين، مضيفاً إنه تم التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ.

الهجوم الإسرائيلي

وانخرطت إسرائيل في الصراع بشكل مباشر، حيث قال الجيش الإسرائيلي: إنه نفذ ضربة جوية زاعماً أنها تحذيرية لمجموعات مسلحة كانت تستعد لمهاجمة الدروز على مشارف دمشق، حيث تتمتع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعلاقات مع الطائفة الدرزية في إسرائيل وقد عرضت حمايتهم في سوريا في حال تعرضها لهجوم، لكن رفض العديد من الدروز السوريين أي عرض إسرائيلي.

عنف الساحل السوري

وفي الشهر الماضي، اندلعت موجة من العنف الطائفي في المنطقة الساحلية السورية، موطن العلويين، الأقلية التي تنتمي إليها عائلة الرئيس السابق بشار الأسد، حيث تأجج العنف بعد هجوم منسق على قوات الحكومة الجديدة في المنطقة وبعد ذلك اقتحم آلاف من القوات الأمنية المنطقة الساحلية في هجوم خلَّف حوالي 1600 قتيل معظمهم من العلويين، في غضون أيام قليلة.

ويقع معقل الأقلية العلوية في سوريا على امتداد ساحل جبلي يبلغ 110 أميال، بين لبنان وتركيا، وتقع مدينة بانياس، التي يسكنها حوالي 40 ألف نسمة، في مركزه، وجنوب المدينة يسكنه غالبية مسلمة، بينما الأحياء الشمالية ذات أغلبية علوية، ورغم أن بعض العلويين في بانياس خدموا في جيش نظام الأسد، فإن الكثيرين منهم حُرموا من حقوقهم آنذاك بحسب السكان.

الأكراد والكيان الفيدرالي

وفي الشمال السوري وبينما تتردد أنباء عن مزاعم حول مسعى الأكراد إلى إقامة كيان فيدرالي، فقد رفضت الإدارة الجديدة وثيقة أصدرتها القوى السياسية الكردية في سوريا، تضمنت دعوة إلى اعتماد نظام اللامركزية وفسر بعض المراقبين المطالب بأنها محاولة لخلق كيان شبه مستقل، ما أثار مخاوف بشأن حدوث قلاقل مجدداً، بعد حالة التفاؤل التي سادت إثر توقيع اتفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي في 10 مارس الماضي.

وما يفاقم المشكلة هو احتمال تدخل أطراف خارجية، وخصوصاً تركيا، التي عبرت عن رفضها مراراً وتكراراً لأي كيان كردي مستقل قرب حدودها وعلى الفور قالت أنقرة: إن مطالبات جماعات كردية سورية بتبني نظام حكم لامركزي «ليست أكثر من حلم» ولا مكان لها.

سوريا الجديدة

وسط هذه التحديدات الأمنية المعقدة، تسعى الإدارة الحالية لترسيخ أركان الدولة السورية الجديدة في ظل جهودها لإقامة علاقات دولية قوية، سعياً إلى رفع العقوبات التي أثقلت كاهل السوريين ولم يكن ذلك ببعيد عن وقوف وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أمام مقر الأمم المتحدة بنيويورك لرفع العلم السوري الجديد ذي النجمات الثلاث، قائلاً إنه يمثل «سوريا الجديدة».

ويمثل ظهور الوفد السوري في مجلس الأمن خطوة كبيرة لسوريا التي مزقتها الحرب ورحب أعضاء مجلس الأمن، بالوفد معتبرين حضوره «خطوة إيجابية» نحو سوريا أكثر ازدهاراً، في حين قال العديد من الدول ومسؤولي الأمم المتحدة: إنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لمداواة جراح سوريا وفي مقدمتها بالطبع مخاوف العنف الطائفي.

وتضع الولايات المتحدة شروطاً قوية للاعتراف بالحكومة السورية الجديدة وتخفيف العقوبات عنها ومن بينها قمع التنظيمات الإرهابية وتدمير أي أسلحة دمار شامل متبقية، فضلاً عن عدم دمج فصائل بعينها في الجيش السوري وهو ما قال الشرع: إنه بحاجة إلى مناقشة جديدة، آملاً في مفاوضات تفضي إلى رفع العقوبات.

لكن أبدت دول غربية أخرى ارتياحها للسلطات السورية الجديدة بسرعة أكبر وعلى سبيل المثال فقد رفعت الحكومة البريطانية، عقوباتها عن اثنتي عشرة جهة سورية، بما في ذلك دوائر حكومية ووسائل إعلام، وبدأ الاتحاد الأوروبي برفع عقوباته.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"