عادي

كواليس 18 ساعة من الظلام أثارت فزع أوروبا

22:57 مساء
قراءة 4 دقائق

إعداد: محمد كمال
لم يكن انقطاع التيار الكهربائي فقط هو ما أثار الارتباك في إسبانيا والبرتغال وأجزاء من فرنسا، على مدار أكثر من 18 ساعة، وصفت بـ«الجنونية»، حيث أدت إلى شلل الحياة لعشرات الملايين من الأوروبيين، متسائلين عما يحدث، في حين أثار الحادث قلقاً كبيراً حول عدم القدرة على التعامل مع الأعطال المتعلقة بالطاقة الشمسية.
العطل ترك معظم شبه الجزيرة الأيبيرية بدون كهرباء لساعات، وعطّل كل شيء، من المصانع والقطارات إلى أجهزة الصراف الآلي. وقضى الآلاف ليلتهم في محطات القطارات تحت الأغطية، أو عالقين في شققهم من دون ماء أو مصاعد أو وسيلة اتصال بالعالم الخارجي. وحتى مع استعادة الكهرباء أعرب الكثيرون عن قلقهم إزاء تركهم بدون خدمة الهاتف المحمول، أو الوصول إلى الإنترنت، أو القدرة على دفع ثمن أي شيء إلا نقداً.

ـ مواقف جنونية:


وعلى سبيل المثال، في مورسيا، وهي مدينة تقع في جنوب شرق إسبانيا، كانت الكلمة التي ترددت على ألسنة السكان، هي «لوكورا»، والتي تعني الجنون.
ومن بين أكثر المشاهد فزعاً، ما روته طبيبة الأسنان روسيو فيلابلانا، التي كانت تجري جراحة في جنوب شرق إسبانيا عندما انقطع التيار الكهربائي قبل أن تنهي خياطة داخل فم أحد المرضى، وقالت: «عندما انطفأ التيار الكهربائي بدأ كل شيء يصدر صوت تنبيه»، لكنها تماسكت واستخدمت مولداً احتياطياً لإتمام الجراحة.
أما ماريا خوسيه، البالغة من العمر 71 عاماً، فتقول، إنها قضت أمسية متوترة في شقتها بالطابق السابع، حيث كان المصعد معطلاً، وتضيف: «كان أسوأ ما في الأمر هو انقطاع التواصل»، لكن ما لاحظته أن كل من جاء للاطمئنان عليها روى نظرية مختلفة حول سبب انقطاع التيار الكهربائي، وفق ما ذكرت لصحيفة واشنطن بوست.
وفي العاصمة الإسبانية مدريد، تجمّع سكان حي أرغانزويلا في الشوارع الاثنين، وقد أصابهم الذهول مما يحدث، حيث ظل البعض يحدق في الهواتف المغلقة، بينما تجمّع آخرون أمام المراكز الصحية والمتاجر في محاولة لمعرفة سبب ما يجري.

ـ الراديو المصدر الوحيد:


وفي أحد شوارع مدريد، تجمع حشد صغير في ورشة لإصلاح السيارات، حيث فتح مالكه أبواب السيارة التي كان يعمل عليها، واستمع الجميع إلى نشرة إخبارية عبر الراديو وهو المصدر الموثوق والوحيد للمعلومات طوال اليوم. وأشار مالك الورشة إلى أن ما جرى ذكّره بمحاولة الانقلاب التي وقعت في إسبانيا عام 1981، حيث «كان الجميع ملتصقين بالراديو».
وبطبيعة الحال، توافد الناس على المتاجر التي كانت لا تزال مفتوحة لشراء البطاريات وفحم الطهي وغيرها من الضروريات. وبحلول الليل، كانت رفوف بعض المتاجر في مدن مثل مورسيا فارغة.
وتقول ماريا كانتيرو، البالغة من العمر 41 عاماً: «كنا خائفين للغاية.. ركضت إلى المتجر لشراء حليب أطفال لابنتي البالغة من العمر خمسة أشهر وشموع. ومع حلول الليل واستمرار انقطاع الكهرباء، شعرت بالقلق».
وفي بينيشي البرتغالية على بعد حوالي 100 كيلومتر إلى الشمال من لشبونة، يقول خوسيه بوتو البالغ من العمر 69 عاماً، إنه كان يوماً صعباً، كاشفاً أنه كان يقف في طابور سوبر ماركت، يحمل دجاجة عندما أُبلغ بانقطاع التيار الكهربائي، وأن الدفع يكون نقداً فقط، ما اضطره لتركها.
وبحلول صباح الثلاثاء، عادت الحياة إلى طبيعتها، وعادت إشارات المرور للعمل، واختفى رجال الشرطة الذين انتشروا عند التقاطعات لتنظيم حركة المرور في اليوم السابق. لكن لم تكن العاصمة الإسبانية قد عادت إلى نشاطها المعتاد بعد، حيث بدا أن العديد من السكان يلازمون منازلهم.
ويقول الطالب اللبناني أنطوني ساس، إنه تقطعت به السبل في مدينة قرطبة جنوب إسبانيا الاثنين بعد إلغاء رحلة قطاره إلى جيان، حيث يدرس. وأمضى ليلةً بلا نوم في محطة القطار، مُغطّىً ببطانية من الصليب الأحمر، وبقي هناك صباح الثلاثاء، يحمل كيساً بلاستيكياً فيه أمتعته، منتظراً الإعلان عن موعد قطاره المُعاد جدولته.

ـ أسباب الانقطاع المحتملة:


يعد هذا الانقطاع الشامل للتيار الكهربائي، الأول من نوعه في عصر الطاقة النظيفة في إسبانيا والبرتغال، حيث كانت الطاقة الشمسية تزود الشبكة يوم الاثنين، حتى توقفت في خمس ثوانٍ بشكل مفاجئ. ويقول الخبير شون ماكلولين: «ليس من الواضح لماذا قد تتسبب الطاقة الشمسية في حدوث هذا»، خصوصاً أن العطل بدأ منتصف النهار وفي ظل أجواء مشرقة.
وحدث الانقطاع عندما كانت الطاقة الشمسية تمثل ما يقرب من 60% من إجمالي التوليد، بينما كانت توربينات الرياح توفر 9% أخرى. وأدى تعطلان منفصلان إلى زعزعة استقرار نظام الكهرباء، ما أدى إلى فصل شبكة الكهرباء الإسبانية عن الشبكة الأوروبية الأوسع.


ويشير خبراء إلى أن الشبكات التي تعمل بمستويات عالية من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تواجه تحديات تقنية. وأحد هذه المشاكل تتمثل في أنه إذا توقفت محطة الطاقة الشمسية عن العمل، ينخفض ​​إنتاجها إلى الصفر فوراً، لكن في المقابل تستغرق توربينات توليد الطاقة التقليدية وقتاً للتوقف عن الدوران، ما يُتيح لها موازنة الضخ في حال حدوث أي عطل.
ولم تحدد شركة ريد إليكتريكا الإسبانية لتشغيل شبكة الكهرباء سبب الانقطاع تحديداً، لكنها رجحت أن تكون مصادر الطاقة المتجددة هي السبب، مستبعدة فرضية الهجوم الإلكتروني. فيما قالت السلطات، إنها بحاجة إلى جمع وتحليل المزيد من المعلومات قبل أن تتمكن من ضمان عدم تكرار الحادث.
ومن المعروف أن انقطاعات الكهرباء حدثت قبل وقت طويل من بدء الاعتماد على الطاقة المتجددة، فقد شهدت إيطاليا انقطاعاً شاملاً عام 2003، عندما سقطت شجرة عملاقة على خط كهرباء في سويسرا. وفي العام ذاته، شهدت منطقة شمال شرق الولايات المتحدة والمقاطعات الكندية المجاورة واحدة من أكبر حالات انقطاع التيار الكهربائي في التاريخ، حيث انقطع عن أكثر من 50 مليون شخص، بسبب خلل برمجي.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"