شرعية الشرع.. فرص وتحديات

00:52 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. صلاح الغول

يدين الرئيس أحمد الشرع للشرعية الثورية بمنصبه رئيساً بحكم الأمر الواقع للإدارة السورية الجديدة، ثم رئيساً لسوريا في المرحلة الانتقالية منذ 29 يناير(كانون الثاني) المنصرم، حينما اجتمعت فصائل المعارضة السورية المسلحة التي أطاحت بنظام الأسد بقيادة «هيئة تحرير الشام» في قصر الشعب في دمشق، معلنةً «انتصار الثورة السورية»، واختيار الشرع رئيساً للبلاد ريثما يتم إعداد دستورٍ جديد، وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في غضون أربع إلى خمس سنوات.
ولكن الشرع لم يركن إلى الشرعية الثورية فقط، وإنما حاول جاهداً أن يكتسب شرعية داخلية وخارجية. ففي الداخل، حاول الشرع التودد إلى كل أطياف الشعب السوري، ولاسيما الأكراد والدروز والعلويين والمسيحيين، وبالغ في تطمينهم بشأن توجهات الإدارة الجديدة تجاههم، واستقبل في قصر الشعب عدداً من قادتهم. وأعلنت الإدارة الجديدة منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد أن أولوياتها داخلية في معظمها، وتتمثل في ضبط الأمن والاستقرار، وإعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد المتدهور، وتقديم الخدمات للمواطنين، وتهيئة الظروف لعودة المهجرين السوريين في الخارج. ونفذ جولة في عددٍ من المحافظات السورية بدأها بإدلب (معقل هيئة تحرير الشام «سابقاً») وثناها بحلب وختمها بالساحل السوري حيث محافظتي اللاذقية وطرطوس (معقل العلويين وأنصار النظام السابق). وفي 10 مارس (آذار) الفائت، أبرم الشرع اتفاقاً مع قوات سوريا الديمقراطية، يتضمن «دمج» كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سوريا في إطار الدولة السورية، إلى جانب بنودٍ أخرى تؤسس للمصالحة الوطنية بين دمشق والأكراد، وتُعلق إلى حين أخطر تحدٍ كانت تواجهه شرعية الشرع وحكومته الانتقالية.
وعلى المستوى الخارجي، نفذ الرئيس الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني عدة زيارات بغرض الانفتاح على العالم الخارجي وتطمينه بخصوص توجهات نظام الحكم الجديد، والعودة إلى الحاضنة العربية، واكتساب ما يعرف ب «الشرعية الخارجية». وقد توجت هذه الزيارات بمشاركة الشيباني في جلسة لمجلس الأمن الدولي، ورفع علم سوريا الجديد في المقر الرئيسي للأمم المتحدة في نيويورك، في 25 إبريل (نيسان) الجاري. كما استقبل الشرع ووزير خارجيته عدة مسؤولين ووفود خارجية في دمشق، كدليل على الانفتاح الإقليمي والدولي السريع وواسع النطاق على الإدارة السورية الجديدة.
وبرغم الشوط الكبير الذي قطعه الشرع في تأمين شرعيته الداخلية والخارجية، لا تزال هناك عدة تحديات تواجهه. فما زال أكثر من ثلث الأراضي السورية خارج السيطرة المباشرة للحكومة السورية الانتقالية، ويفتقر نصف البلاد إلى أي وجود عسكري أو أمني فعّال. وقد لجأ العديد من البلدات والقرى إلى الحكم الذاتي، حيث تعمل إلى حدّ كبير بمعزل عن نفوذ دمشق. ولم يتحقق حتى الآن سوى قدر محدود من دمج المجموعات والفصائل المسلحة الأخرى دمجاً حقيقياً في القوات المسلحة، التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام.
وتعاني الوزارات من مركزية مفرطة، حيث يحتاج الوزراء في كثير من الأحيان إلى موافقة صريحة من الرئيس الشرع أو وزير الخارجية الشيباني حتى في القرارات الروتينية، الأمر الذي أفرز نظاماً بيروقراطياً معطِلاً إلى حد كبير.
وعلى مستوى قمة نظام الحكم، كل القرارات «الاستراتيجية» في سوريا يتخذها الثلاثي (الشرع والشيباني ووزير الداخلية أنس خطاب). كما أنّ الشيباني، الذي لديه تأثير كبير في الشرع، يمارس سيطرة هائلة على الشؤون الخارجية، ولا يترك أي منها لوزارة الخارجية كمؤسسة.
وقد انتقد الاتحاد الأوروبي مركزية صنع القرار في سوريا، وتحكّم الشيباني في أدق تفاصيل الاتصالات الثنائية ومتعددة الأطراف. أما الاقتصاد السوري، الذي كان في حالة يرثى لها بالفعل تحت حكم الأسد، فقد ازداد تدهوراً، ما أصاب السوريين جميعاً بخيبة أمل متزايدة في ظل تضخّم يتصاعد ويُثقل كاهلهم. ويشكّل التدهور الاقتصادي مشكلة خاصة لشرائح سكانية ارتبطت حظوظهم الاقتصادية ومكانتهم الاجتماعية ارتباطاً وثيقاً بالنظام السابق.
وعلى صعيد العلاقات السورية-الأمريكية، تُرهن واشنطن تطبيع علاقاتها مع دمشق وتخفيف العقوبات باستجابة الأخيرة ل «الشروط الثمانية»، التي تتضمن بنوداً تمس السيادة السورية (السماح للولايات المتحدة بمكافحة الإرهاب على الأراضي السورية ضد أي شخص تعتبره تهديداً)، وأخرى تحفظت سوريا عليها (حظر جميع التنظيمات الفلسطينية وترحيل أعضائها وقضية المقاتلين الأجانب في الجيش السوري)، وإن حققت دمشق تقدماً بخصوص أهم بنودها المتعلق بملف الأسلحة الكيماوية والعلاقة مع الأكراد، وأبدت استعدادها للتعاون في ملف محاربة «داعش».
غير أن التحدي الأكبر أمام شرعية الشرع ونظامه يتمثل في استمرار الاعتداءات الإسرائيلية. فبالإضافة إلى دخولها المنطقة العازلة واحتلالها قمة جبل الشيخ، واصلت إسرائيل دمج وتوسيع الأراضي السورية التي تحتلها في محافظة القنيطرة. علاوة على ذلك، تقوم فرقٌ عسكرية إسرائيلية بالتواصل مع المجتمعات المحلية في محافظتي القنيطرة ودرعا، وتقدم لها مبالغ مالية وفرص عمل، في عملية لكسب القلوب والعقول، مع مصادرة الأسلحة. ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية تفضّل نظاماً فيدرالياً أو لامركزياً إلى حد كبير في سوريا. فمثل هذا النظام، الذّي يُشبه الوضع الراهن، يُسهِّل تنفيذ «مشروع ممر داوود»، الذي أعلنته وزارتا الخارجية والدفاع الإسرائيليتان، ويهدف لربط شمال إسرائيل بمنطقتي السويداء والتنف، وصولاً إلى شرق سوريا.

[email protected]

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"