صفقة هرتسوغ.. والمشهد الداخلي الإسرائيلي

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

هناك مثل شعبي عربي يقول معناه: عندما يذوب الثلج سيظهر المرج، وهو كناية عن أن الأيام ستكشف الحقائق، والواقع أن ما قادنا إلى هذا المثل هو ما تناقلته وسائل الإعلام ولا سيما الإسرائيلية حول دعوة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ دراسة إمكانية إبرام صفقة إقرار بالذنب في محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهم الفساد، وذلك مقابل خروجه من الحياة السياسة مع عدم دخوله السجن.
هرتسوغ في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية يرى إن ذلك «كجزء من الحاجة إلى تخفيف التوتر في المجتمع الإسرائيلي»، مشيراً إلى أنه سمع بهذا المقترح من أهارون باراك (الرئيس الأسبق للمحكمة العليا) مضيفاً «إنها ليست فكرة سيئة على الإطلاق أن تدرس صفقة الإقرار بالذنب، أيضاً لتقليل التوتر»
لكن هرتسوغ عارض في الوقت ذاته دعوة المعارضة لإعلان نتنياهو «عاجزاً عن الحكم»، وقال «لا يعتقد أنه من الصواب الدعوة إلى إعلان رئيس الوزراء عاجزاً».
كما جدد الرئيس الإسرائيلي الدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاق 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، وأكد أن الوقت بات مناسباً لإبرام صفقة تبادل أسرى بين الحكومة الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو ما دعا إليه أيضاً زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد.
وتأتي هذه الدعوات في وقت تواصلت فيه احتجاجات عائلات الأسرى الإسرائيليين التي اتهمت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بعرقلة صفقة تبادل الأسرى، وأنهم يريدون إقامة مستوطنات على رؤوس الأسرى الإسرائيليين في غزة.
بغض النظر عما ستحمله الأيام المقبلة بخصوص هذه الصفقة التي تحدث عنها هرتسوغ وإمكانية حدوثها أو لا، فإنها تحمل في الواقع مدلولات كثيرة يجب التوقف عندها بعناية لقراءة المشهد الداخلي الإسرائيلي بعد أكثر من سنة ونصف السنة من الحرب الهمجية وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وأعمال البلطجة والإرهاب التي تمارسها القوات الإسرائيلية المحتلة في الضفة الغربية أيضاً. ولعل أبرز هذه المدلولات هي حالة التردي والانقسام التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي، وتوالد الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بعد هجوم طوفان الأقصى وما تركه هذا الهجوم من تداعيات كثيرة على الاحتلال الإسرائيلي، حيث أعتبر بعض المحللين الإسرائيليين أن السابع من أكتوبر والإخفاق العسكري في تحقيق نصر حاسم ينم عن فشل عسكري وإخفاق مؤسساتي أصاب المؤسسة العسكرية والسياسية في إسرائيل.
ومع أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنامين نتنياهو محاصر بتهم فساد ويتحمل حسب الكثير من الإسرائيليين مسؤولية الإخفاق الإسرائيلي، لكن اللافت هو أنه لم يحدث في إسرائيل أن طلب من حكومة الاستقالة خلال حرب.
ففي حرب أكتوبر(تشرين الأول) عام 1973 لم يطلب أحد من رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير الاستقالة، كما يحدث الآن مع نتنياهو، وهو ما يشير إلى حجم الصدمة التي تركها طوفان الأقصى ورفض نتنياهو الاعتراف بمسؤوليته عن الإخفاق.
ومع أن نتنياهو تمكن من الإفلات مرات عدة وتخلص من المحاسبة، إلا أنه وحسب الكثير من المراقبين ومنهم إسرائيليون، أنه لن يستطيع هذه المرة الإفلات خاصة مع تنامي الغضب الشعبي ووجود بوادر تمرد داخل حزب الليكود ضده.
ولعل ما يزيد من طين نتنياهو بلة هو ذلك التململ الواضح في صفوف الجيش الإسرائيلي وتراجع الروح المعنوية لدى الجنود في حرب يسود الاعتقاد لديهم فيها أنها تهدف إلى بقاء نتنياهو في الحكم ليس إلا، خاصة مع السعي لتمديد الخدمة الإلزامية لجنود الاحتياط، رغم استمرار رفض عشرات الآلاف من الحريديم الالتحاق بالجيش الإسرائيلي، وبات الكثير من الجنود يتحدثون صراحة عن رفضهم الالتحاق بالجيش لأنه لم يعد لديهم طاقة أو دافع للمشاركة في هذه الحرب.
ناهيك عن الأزمات الاقتصادية التي يعانيها الاقتصاد الإسرائيلي، حيث يُظهر الكثير من التحليلات وصول العجز المالي إلى مستويات غير مسبوقة، حيث أشارت مجلة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية إلى أن كلفة الحرب على قطاع غزة بلغت نحو 250 مليار شيكل (67.57 مليار دولار) حتى نهاية عام 2024.
من كل ما تقدم يبدو أنه ليس نتنياهو وحده من يعاني الأزمات التي تخلفها حرب الإبادة الجماعية في غزة وإنما إسرائيل بأسرها، وما يظهر الآن على السطح من أزمات سياسية وعسكرية واقتصادية ليست سوى النذر اليسير من جبل الأزمات التي تحاول الدعاية الإسرائيلية إخفاءه.
وأخيراً، يمكن القول أنه حتى لو نجا نتنياهو من القضايا التي يلاحق فيها عبر صفقة هرتسوغ فإن إسرائيل لن تنجو من مضاعفات هذه الحرب التي تشنها على الشعب الفلسطيني الذي يسطر بدماء أبنائه أسطورة حقيقية في الصمود والتصدي للاحتلال.
[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"