في قرية صغيرة، عاش معلم متقاعد بالقرب من موظف في شركة تأمين، وكان لكل منهما حديقة جميلة، كان المعلم لا يوليها وقتاً طويلاً ولا اهتماماً كبيراً، بينما كانت حديقة موظف التأمين تأخذ منه الجهد والوقت الكبيرين والمال الوفير. وفي يوم من الأيام هبّت عاصفة شديدة مصحوبة برياح وأمطار غزيرة استمرت ليوم كامل، وما إن انتهت العاصفة حتى ذهب الأهالي للاطمئنان إلى حدائقهم وممتلكاتهم، وكانت المفاجأة أن حديقة موظف التأمين قد دمرت بالكامل، بينما كانت حديقة المتقاعد بوضع أفضل بكثير، ما أثار استغراب أهل الحي، وخصوصاً صاحب الحديقة الأخرى، فسأل جاره: لم تكن تولي حديقتك الاهتمام الكبير، ومع ذلك صمدت بوجه العاصفة، بينما كنت أهتم بحديقتي اهتماماً بالغاً، لكنها دمرت عن آخرها، فابتسم المتقاعد وقال لجاره: لأنك دللت نباتاتك دلالاً كبيراً، بحيث لم تستطع الاعتماد على نفسها، ولم تمد جذورها في التربة بحثاً عن الغذاء والماء، ولهذا ما إن هبت العاصفة حتى اقتلعتها من جذورها السطحية، بينما كنت أعطي نباتاتي قدر حاجتها التي تجعلها تعتمد على نفسها وتمد جذورها لتثبت نفسها بقوة وتكون قادرة على مواجهة المصاعب والعواصف، وهكذا نجت نباتاتي ولم تتضرر إلا قليلاً، بينما دُمِّرت نباتاتك.
لا أتذكر أين قرأت هذه الحكاية ولا متى، لكنها بقيت درساً عميقاً يجعلني أفكر في كيفية تربية أبنائي وتربية نفسي قبل تربيتهم، فحين ندلل أطفالنا ونوفر لهم كل ما يحتاجون وأكثر بشكل مبالغ فيه لن يكونوا قادرين على مواجهة مصاعب الحياة والاعتماد على أنفسهم في حل المشاكل التي تواجههم، ولن يتمكنوا من الوصول إلى بر الأمان في أمواج الحياة العاتية التي ستصادفهم عند كل تحدٍ.
بناء شخصية قوية قادرة على الاعتماد على نفسها يبدأ منذ الصغر، حين يعتاد الطفل أداء واجباته بنفسه، وعدم الاعتماد بشكل كامل على غيره، حين يعرف الطفل أن هناك بعض الأشياء أو الأمور غير قابلة للتنفيذ أو الاقتناء في كل وقت، وأن هنالك طرقاً أخرى تمكنّه من الحصول على ما يريد حين يفكر ويعتمد على نفسه، ولو بقليل مـــن المساعـــدة، حينها ستكون جذور عزيمته قادرة على مواجهة أي طارئ.
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







