حسناً أن محاكمة قاتل طفل فلسطيني-أمريكي، انتهت بسجنه 53 عاماً، لكن الحكم سيبقى فردياً بينما آلاف القتلة طلقاء بعد أن اغتالوا مستقبل آلاف الأطفال في غزة وغيرها من مواطن الصراع حول العالم، وفي منطقتنا على وجه التحديد.
قضية قتل الطفل فلسطيني-الأمريكي وديع الفيومي، ابن السنوات الست، مسرحها إحدى الولايات الأمريكية، لكنها لا تنفصل، موضوعياً، عن ما يجري في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فالجريمة وقعت بعد أسبوع واحد من انطلاق طوفان العنف في القطاع لدوافع عنصرية متصلة به.
وجميعاً يعلم أن الأطفال أكثر المتضررين من هذا العنف الذي يتفرد به منذ شهور طويلة الجانب الإسرائيلي، فهم إما قتلى أو مشردون أو جائعون محاصرون باليأس من كل جانب، وليس بوسعهم إلا الصراخ في وجه من زج بهم في هذا الأتون ويجعلهم وقوداً لحرب عبثية لا نهاية قريبة لها.
غزة، وإن كانت نموذجاً جلياً لحرق المستقبل المتمثل في الصغار، لا تتفرد في ذلك؛ إذ رأينا قبل ذلك صوراً مشابهة في اليمن وسوريا وليبيا وسوريا والسودان والصومال، وغيرها من ساحات يقامر فيها ساسة بحاضر أوطانهم وغدها.
في قضية الطفل الفلسطيني- الأمريكي الذي دفع كغيره من أطفال غزة ثمن جريمة لم يرتكبها، أنموذج مصغر للمفارقة بين القاتل والضحية يمكن تعميمها على كل جرائم استضعاف الصغار وقطف مستقبلهم وآمالهم في عبثية الحرب.
القاتل في الثالثة والسبعين، والضحية في السادسة ولا جريرة له، بكلام الشرطة الأمريكية، إلا أنه مسلم. ويزيد على ذلك أصل وديع الفيومي الفلسطيني الذي جعله في خيال قاتله العنصري طرفاً في صراع كان بدأ قبل أيام في غزة، ولا صلة له به كغيره من صغار القطاع؛ بل ونسائه ورجاله المسالمين.
فارق ضخم بين طرفي القضية كان كفيلاً بمنع وقوعها، لكنها الكراهية التي تعمي القلوب والأبصار وتعلي في نفوس أصحابها الدوافع العنصرية على القيم الإنسانية، فيتوهمون أن في قتل الأطفال انتصاراً.
كان يمكن لهذه القضية أن تحرّك ضمائر من يزجون بالأطفال في ميادين الحرب أو يستهدفونهم، خاصة أن الرئيس الأمريكي، وقتها، جو بايدن، اعتبرها «عملاً فظيعاً من الكراهية ليس له مكان في أمريكا»، لكنه وغيره من أطراف الصراع سمحوا بوقوعها اللحظي في غزة، وكأن القواعد الإنسانية تتغير بتغير الجغرافيا، أو أن أطفال ساحات الصراع في منطقتنا أهداف مشروعة.
هذا الصمت هو ما يراكم أعداد القتلى من أطفال فلسطين ويترك الباقين على قيد الحياة نهباً لضياع حتمي يحاولون تفاديه بالحث عن ما يصلب ضعفهم في النفايات، أو هدفاً لقصف مباشر يستعرض قوته في مواجهة صغار لم يعد لهم مأوى أو مصدر غذاء.
إن القضاء في أي مكان عليه أن ينتصر لطفل قتيل، وأية سياسة نبيلة تحاول ما استطاعت حماية الصغار، لكن الواقع يدفع للسؤال: أين حقوق الأطفال في غزة وغيرها؟
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







