النّموذج الإماراتي المتميز

01:20 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السويجي

لا أقصد بالنموذج مجموعة المعايير والمفاهيم الجوهرية والشكلية التي يفصّلها المخططون الاستراتيجيون في مجالات العلوم الإنسانية أو التطبيقية، فهو نتاج تفكير علمي وعملية منطقية لها قواعدها وأهدافها ومراميها النهائية. ولا أقصد بالنموذج النظام، فقد دأبت المؤسسات التعليمية والصناعية على سبيل المثال على بحث النموذج التعليمي، أي أكثر النظم التعليمية نجاحاً في العالم، أو أكثرها توفيراً لمخرجات طلابية أو عمالية، أي معرفياً وسوق العمل، وقد عُرفت دول عديدة بنموذجها التعليمي والتربوي، مثل اليابان وسنغافورة، وبات يعرف بالنموذج الياباني، كما عرفت دول كثيرة كنماذج صناعية وأيضاً يُضرب المثل باليابان والصين، رغم أن الثورة الصناعية انطلقت من المملكة المتحدة.
وهناك النموذج الديمقراطي أو الفني أو الثقافي. وعلى الرغم من أن هذا النموذج الذي تسعى وتبحث عنه الدول والمجموعات يتقاطع مع النموذج الذي يسعى إليه الأفراد، فإن الفرق يكمن في طبيعة الجهد وشكل العمل، إن كان فردياً أو جماعياً، ولكنها جميعها تصبّ في البحث عن التجربة الناجحة التي يتّفق عليها الخبراء والمفكرون والمخططون والعلماء وغيرهم، وتشمل التجارب الناجحة الخاصة بالأفراد، وهكذا نجد أنفسنا وقد وصلنا إلى مبتغانا وهو النموذج الفردي الذي يمكن الاقتداء به لتحفيزنا على النجاح.
ولا نخفي سراً أو نقلّل من شأن أحد حين نقول إن النموذج يتغيّر، فيكون في مقتبل العمر منحصراً في الأب أو الأم أو أي شخصية في المحيط الأسري، ثم تدخل شخصيات أخرى في مشوار البحث عن النموذج خاصة في المراحل الدراسية، إذ يتحوّل المدرّس أو المدرّسة أو الإداري إلى نموذج، وهنا ما زلنا في المحيط القريب، ثم مع الاطّلاع والقراءة والاحتكاك المعرفي تظهر نماذج أخرى من خارج المحيط، ولكنها من المحيط الشخصي الفردي النفسي، ويمكن أن يكون النموذج في أي ميدان أو مجال من مجالات الحياة، إن كان في السياسة أو الأدب أو الفن والفكر والاقتصاد أو الشأن العام.
ويبدو أن النموذج يتداخل مع مصطلح المثل الأعلى، لكننا سنتجنّب الخوض في الموضوع الديني لصعوبة تحقيق النموذج، والابتعاد عن الدخول في صراعات. لكن لا بد من الإشارة إلى أن النموذج، وفي كثير من الأحيان، إذا تم الاقتداء به بشكل أعمى وكامل، ولا نقصد هنا نموذج الدين أبداً، بل أقصد النماذج التي تحمل أيديولوجيات (أفكاراً) ومعتقدات، وتعمل على تطبيقها بحذافيرها، أي تصبح نماذج متطرفة. وفي الواقع، فإن أي منظومة فكرية تغلق على نفسها ولا تترك نوافذ أو منافذ للتلاقح والتفاعل والنقاش، تتحول إلى نموذج متطرّف يصطدم بالآخر ويحاربه ويقصيه.
ومن هنا نتساءل: هل الإنسان في القرن الواحد والعشرين في حاجة إلى نموذج محدّد؟ أم أن التنوّع في الحياة والأفكار والنماذج الناجحة يخلق خيارات كثيرة؟ والسؤال الأخطر في نظري هو: هل كل نموذج يصلح لكل مكان ومجتمع وبيئة؟وفي الجواب اجتهادات كثيرة، بعضها يستند إلى فشل النماذج التي تم استيرادها من الخارج، ونعني بالنماذج السياسية الفكرية، لأنها وقعت على بيئة غير مستعدة لها ولا تناسبها، وتاريخها يختلف جذرياً عن تاريخ مصدر ذلك النموذج.
وبشكل صريح، فشلت، على سبيل المثال، النماذج الشيوعية والاشتراكية في البيئة العربية، وسيفشل أي نموذج لم ينبت من البيئة ذاتها، إذ كما يقال بأن لكل مقام مقالاً، فلكل شعب مثال، وما النزاعات والحروب الأهلية والحروب الداخلية إلا بسبب محاولة فرض نموذج ما على الآخرين بالقوة، وهو أمر لن ينجح مطلقاً وإن كُتب له النجاح لفترة زمنية محدّدة، إذ معيار النجاح هو استدامته وقبوله التام من المجتمع، ونحن هنا لا ندعو إلى تطبيق النظم الشمولية التي تصادر فروقات الطاقات الفردية والمواهب، فالمنطق الطبيعي يميل إلى دعم العباقرة والمتميزين، لأنهم النموذج، كلٌّ في مجاله.
ولا نخرج عن الموضوع حين نشير إلى توفّر النموذج القيادي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الذي انعكس على تجربة الاتحاد فأصبح نموذجاً، والتنمية في الإمارات أصبحت نموذحاً، حتى أن أسلوب العيش في الإمارات أصبح نموذحاً، وبالتالي أصبحت دولة الإمارات النموذج الذي يطمح الناس للعيش فيه وممارسة ثقافاتهم وشعائرهم وعاداتهم بكل حرية واحترام وتقدير. كل ذلك بسبب النموذج القيادي المؤمن بالمبادئ السابقة والتنوع وحرية الاختيار. وإذا نظرنا إلى كل ذلك، فسنجد أننا أمام منظومة سياسية وفكرية وثقافية تصلح لأن تكون نموذجاً، والنموذج هو ما يتفق عليه الناس في الزمان والمكان المحدّدين.
وهذا النموذج لم يسقط بالباراشوت كأي منظومة حزبية، ولم يوجد فجأة في الإمارات، وإنما هو نتاج تجارب في المفاهيم والأشكال والسياسات، ونتاج مشورات وعصف ذهني دائم، والجميل في هذا النموذج أنه متحرّك وليس جامداً، متجدّد وليس ساكناً، وقابل للإضافة وليس ثابتاً. هو نموذج الدولة ويمكن أن يكون نموذج الفرد. فلا بأس من أن يأخذ الفرد من التجربة الجماعية أنجعها، لا بأس من أن تأخذ الجماعة أيضاً من تجارب الأفرد أجملها، إذ نحن في زمن يتماهى فيه الفرد مع المجموع وبالعكس، ليبتكر نموذجه الخاص.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"