عادي
«الكيزان».. فتيل الحروب والانتقام والفقر (2 - 3)

«إخوان السودان».. مهمة خاصة لتدمير «بلاد النيلين»

01:17 صباحا
قراءة 6 دقائق

د.أيمن سمير

ظلت «الأنانية السياسية»، و«الاستعلاء الأيديولوجي»، و«الاستحلال الدموي» هي الاستراتيجيات الوحيدة التي عاش لها وبها التيار الإخواني في السودان، وكان من نتيجة ذلك تفويت عشرات الفرص التي كان يمكن أن تجعل من السودان، الذي يعرف ببلاد النيلين، المترامي الأطراف، والذي يملك جميع الثروات من الأراضي الزراعية الخصبة، والمعادن الى البترول والذهب أن يكون في مصاف النمور الاقتصادية الإفريقية والاقتصادات الناشئة ذات معدلات النمو العالية.

الذي يتعمق في ما جرى للسودان خلال العقود السبعة الأخيرة يتأكد له أن الشعب السوداني يعيش «نكبة تلو النكبة» و«نكسة تلو النكسة»، بسبب السياسات الخاطئة والشعارات الديماغوجية التي سار عليها «الإخوان» والتيارات الظلامية التي تحالفت معهم من الحرب الإثنية والعرقية في دارفور الى خروج جنوب السودان وانفصاله بعد أن تسببت هذه السياسات في تقسيم وتفتيت السودان، ويعود ذلك الى أن خطط «الإخوان» كانت تقوم طوال العقود الماضية على اختراق المجموعات المناهضة لهم، وتقسيمها وتشتيتها بغرض السيطرة عليها وتطويعها لمصالحهم، فعلى سبيل المثال عمل الإسلامويون على اختراق وتفتيت «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، فكانت النتيجة كارثية بمعنى الكلمة حيث أدى هذا التفتيت لظهور تيار يدعو للانفصال عن السودان بدلاً من الايديولوجية الرئيسية التي قامت عليها حركة تحرير السودان بقيادة جون قرنق، والتي كانت تدعو لدولة وطنية ديمقراطية قوية تقف على مسافة واحدة من كل المكونات والأعراق والأديان في السودان.
ومنذ 15 إبريل 2023 ونشوب الحرب الحالية بدأت كتيبة البراء والقيادات الإخوانية داخل الجيش السوداني تعمل بنفس السيناريوات القديمة التي قادت الى تقسيم السودان عبر تأجيج الصراعات العرقية والدينية والجهوية المختلفة في الوسط والجنوب والغرب بحجة أن هذا التفتيت وسياسة «فرق تسد» سوف تساهم بطريقة غير مباشرة في إضعاف قوات «الدعم السريع»، لكن النتيجة كانت ظهور ما يقرب من 100 ميليشيا وجيش في السودان حيث تشير التقديرات الى وجود «جيوش كثيرة»، وليس جيش البرهان وحده، منها نحو 90 مجموعة قتالية في دارفور وحدها، تطلق كل مجموعة منها على نفسها صفة الجيش، وهناك 5 جيوش في كردفان والنيل الأزرق ووسط وشرق البلاد، بالإضافة الى جيوش تابعة لأعضاء مجلس السيادة مثل قوات الهادي إدريس، والطاهر حجر، ومالك عقار، ناهيك عن قوات جبريل إبراهيم، وجيش مني أركو ميناوي، وجيوش أبو عاقلة كيكل، وألمك أبو شوتال وغيرهم الكثير، ....فكيف لعبت سياسات حسن الترابي في السابق، والقيادات الإخوانية الحالية في الجيش السوداني في تمزيق أوصال الدولة السودانية؟.

استهانة بالوطن


حرص رموز «الإخوان» والتيارات الظلامية التي تدور في فلكهم على تأكيد أن خسارة جنوب السودان الذي يضم 10 ولايات بمساحة تزيد على 600 ألف كلم لا تساوي شيئاً أمام تنفيذ مشروعهم الإخواني في السودان، والذي يرتبط بمخططات التنظيم الدولي للإخوان العابر للحدود، والذي يعتبر الوطن مجرد «حفنة من التراب»، ولهذا لا يهتمون كثيراً لانفصال الجنوب أو الغرب أو حتى الشرق والولايات الشمالية، المهم بالنسبة إليهم هو التمسك بهذا الخطاب الخشن العنصري الذي لا يرى في السودان إلا «الأهل والعشيرة»، من هنا ظلوا يرتكبون الخطأ تلو الخطأ حتى فوجئ العالم العربي بأن شعب جنوب السودان قرر بأغلبية كاسحة الانفصال عن الشمال حتى يتخلص من القوانين الأيديولوجية والعنصرية التي فرضها تيار الإخوان في الشمال على الجنوبيين، بما فيها القوانين التي فرضتها «جبهة الإنقاذ» خلال الفترة الإنتقالية التي امتدت من اتفاقيات «نيفاشا» عام 2005، وحتى إعلان انفصال الجنوب عن الشمال في نوفمبر 2011، وقاد هذا الانفصال الى ظهور تيارات انفصالية كثيرة في جميع أرجاء السودان بما فيها تيارات سياسية وعسكرية في دارفور وجبال النوبة وكردفان وشرق البلاد، لأن قيادات وشعوب هذه المناطق ترفض الخضوع لتيار وأحكام «الإسلاموية الإخوانية» التي دمرت النسيج الاجتماعي والسياسي والديني لبلاد راهن البعض على أن تكون نموذجاً في التعددية والتسامح وقبول الآخر في ظل ما يتسم به الشعب السوداني من أخلاق رفيعة وطيبة قلب يشهد لها الجميع.
اليوم تتهم القيادات الإخوانية في الجيش السوداني والتي تعمل تحت ستار «الحركة الإسلامية» من جديد المسلمين من التيار المدني بأنهم علمانيون يحاربون العقيدة الإسلامية وهدفهم ليس فقط تجييش المجتمع ضدهم بل بانفراد الإسلامويين بالقرار السياسي والمقدرات الاقتصادية السودانية، وهناك مقاربات وقراءات عديدة تؤكد أن تدخل الإخوان لإفشال «الاتفاق الإطاري» الذي كان سيوقع في 6 إبريل 2023 أي قبل الحرب بنحو 10 أيام جاء بسبب رفض هذه العناصر الإخوانية أن يكون دمج الجيش مع قوات الدعم السريع تحت مظلة حكومة مدنية، لأن العديد من الضباط الإخوان في القوات المسلحة كانوا وما زالوا يرفضون من الأساس فكرة الدولة والحكومة المدنية ويؤمنون فقط بالدولة الثيوقراطية الدينية التي قوامها الإخوان فقط، ولهذا ظل هؤلاء الضباط الإخوان يعملون فقط من أجل عودة الحكم الإسلاموي الإخواني حتى لو كان هذا على حساب وحدة وسلامة الأراضي السودانية.

عقلية إقصائية


لا يزال السودان يدفع ثمن انفصال الجنوب الذي تسببت فيه الحركة القومية الاسلامية بقيادة حسن الترابي، حيث لا تزال تندلع الخلافات بين الولايات الشمالية والجنوبية على حدود شمال وجنوب السودان حيث يسكن على جانبي الحدود 81 قبيلة رعوية تمثل نحو 20% من سكان كلا البلدين في ولايات شرق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأبيض والنيل الأزرق وسنار، وفي جنوب السودان توجد ولايات أعالي النيل والوحدة وشمال بحر الغزال، وخسر الشمال إنتاج السودان بالكامل من البترول الذي تقع غالبية آباره في منطقة أبيي في الجنوب، وهو ما أدى إلى انهيار اقتصاد شمال السودان بعد انفصال الجنوب حيث انهارت العملة الوطنية لشمال السودان، وهو ما عمق بقوة الأزمة الاقتصادية لشمال السودان واستمرارها منذ استقلال جنوب السودان عام 2011 وحتى اندلاع الحرب الحالية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وقاد انفصال الجنوب الى مراجعة الكثير من الدول والمؤسسات المالية لمواقفها لإدراكهم أن انفصال الجنوب يشكل مرحلة جديدة من عدم الاستقرار في شمال السودان وهو ما تجلى في فشل كل المحاولات والمؤتمرات التي كانت تسعى لاحتواء الصراعات العرقية والسياسية في دارفور وجبال النوبة وشرق البلاد وشمالها، وهناك اتفاق بين الكثيرين على أن مشاكل جنوب السودان حتى بعد الاستقلال عن الشمال جاءت من التيار الإخواني في الجزء الشمالي من البلاد، وأن تدخلات الجبهة القومية الاسلاموية في الجنوب كانت سبباً رئيسياً في انهيار أحلام السلام والازدهار في الجنوب.
هناك اتفاق بين الحكماء في السودان وفي المنطقة العربية على أن السودان لا يمكن أن يتمتع بالسلام والاستقرار ويعود الى مسار التنمية والازدهار بدون تفكيك النظام الشمولي الذي أسسه التيار الإخواني في السودان والتخلص من إرثه الثقيل نهائياً، وهذا كان الهدف الرئيسي للحكومة المدنية التي تشكلت بعد عام 2019 وانقلب عليها الجيش السوداني عام 2021، ولهذا يتعين على الشعب السوداني أن يتخلص من الآثار السلبية للكيزان (جمع كوز) ورغم أن هذا قد يستغرق وقتاً طويلاً لكن ليس أمام الشعب السوداني من طريق إلا بالتخلص من هذا الميراث المدمر، لاسيما في ظل تأكيد ما يسمى «كتيبة البراء الإخوانية» أن المستقبل في السودان لن يكون للتيارات والملايين التي خرجت في ثورة 2019، بل سوف تكون فقط لمن حمل البندقية في الحرب الحالية، وهذا وحده دليل على ما ينتظر السودانيين في حال تحقيق أجندة الإخوان في الحرب الحالية.

التعنت السياسي


كان العناد السياسي والتعنت تجاه المكونات السودانية الأخرى هي السمة الرئيسية للتيارات المتطرفة في السودان، والتي سيطرت على القرار السياسي طوال العقود الماضية، وأدى هذا العناد والتعنت ليس فقط إلى انتشار الفقر والمعاناة بين أجيال السودانيين منذ عام 1956 وحتى اليوم، بل كان اللاعب الأكبر في انفصال الجنوب في الماضي، ويهدد بتفكيك وتقسيم السودان في الوقت الحالي، فقبل اتفاقية ماشاكوس عام 2002 والتي كانت مقدمة لاتفاقية نيفاشا عام 2005 التي مهدت لانفصال الجنوب، كان هناك من يدعو المتشددين في الحكومات السودانية المتعاقبة لنوع من المرونة في المفاوضات بهدف الحفاظ على وحدة السودان وعدم تقسيم البلاد.
وكان من نتيجة ذلك أن تعرض كل من طالب التيارات الظلامية في السودان بالمرونة الى انتقادات شديدة من خلايا وأتباع هذه التيارات التي تكرر نفس الأخطاء في الوقت الحالي من خلال التعنت السياسي والعسكري ورفض الحلول السياسية والدبلوماسية التي طرحتها أطراف إقليمية ودولية كثيرة لوقف الحرب والدخول في مفاوضات لإنهاء الصراع والسماح بدخول المساعدات وفتح الممرات الآمنة والإنسانية، فهذه التنظيمات ذات الصبغة الايديولوجية لا تتغير منذ تشكيل «مجموعة حلوان» في جنوب القاهرة وانتقلت للجامعات السودانية نهاية الأربعينات من القرن الماضي، وحتى اليوم مع الذين يسيطرون على مفاصل القرار في الجيش السوداني، فكل المؤشرات تؤكد أن الدمار الذي خلفته الحرب المستمرة منذ 15 إبريل 2023 هو نتيجة لاستبداد عناصر المؤتمر الوطني «الجناح السياسي لتنظيم الإخوان» بالقرار في القوات المسلحة السودانية، وهذا الجناح هو الذي يرفض أي جهود دولية أو إقليمية لوقف الحرب، وذلك لخشية التنظيم من أن تقود أي مفاوضات أو مقاربات جديدة الى تفكيك البنية السياسية والعسكرية والاقتصادية للإخوان، وحاجة الإسلامويين العودة إلى السلطة مرة جديدة تحت الحماية العسكرية، والتخلص من الكثير من الأعباء والملاحقات القانونية على جرائم خطيرة من بينها فض اعتصام الثوار أمام القيادة في يونيو 2019، لأن أي رؤية سياسية جديدة سوف تفضي الى العدالة الانتقالية والمحاسبة على ما جرى ومن تسبب في اندلاع واستمرار هذه الحرب، وكلها أسئلة لا يريد الإخوان الدخول فيها أو الإجابة عنها.

[email protected]

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"