عادي
في شاعرية البصر

«الثلث الجلي المركب».. الحرف مرآة المعنى

15:59 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

الخطاط الدكتور محمد فاروق الحداد هو من الفنانين المعروفين على صعيد تجويد خط الثلث بأنواعه المعروفة خاصة الثلث الجلي والثلث العادي، وأيضاً الديواني الجلي، وله تجارب متميزة، في تقديم لوحات فاز معظمها بجوائز دولية، ليس ذلك فحسب، فمحمد فاروق هو من الأكاديميين الذين واصلوا دراسة فلسفة الخط، وكانت مساهماته في هذا المجال تقدم في كل مرة رؤية خاصة تعبر عن تمكن واقتدار في هذا الفن العربي والإسلامي الأصيل.
في إحدى لوحات الحداد نقف عن تجربة استخدم فيها خط الثلث الجلي المركب أو المتناظر، للآية الكريمة ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾، والآية من سورة الشورى.
يسترعي انتباه المشاهد في هذه اللوحة الآسرة، مجموعة من العناصر الجمالية التي يمكن التوقف عندها، أبرزها هو تجربة الثلث الجلي المركب، وإبراز مزيد من العناصر التي تضيف إلى سحر هذا الخط من الناحية البصرية، وأيضاً تركيز الحداد على ما يسمى في علم الهندسة (التناظر)؛ حيث ينعكس الجزء الأيمن من اللوحة في الجهة المقابلة منها.
تبدو اللوحة للناظر وكأنها مقسومة إلى جزأين متطابقين، ما يجعل أحدهما صورة طبق الأصل للآخر، وعند طي الشكل يتراكب الجزآن، ويسمى هذا الأسلوب «خط التماثل»، أو خط المرآة.

التكوين

خط الثلث بموازينه وقواعده، وما يمتاز به من مرونة ومتانة التركيب وبراعة التأليف، حاضر في هذه التجربة المتميزة، حيث انسيابية رسم الحروف وتوزيعها وإمكانية التشكيل والتزيين والتداخل بين الحروف، كل ذلك نجده حاضراً في حلة مثيرة للإعجاب والدهشة.
حرص الحداد على توزيع حروف الآية الكريمة، مبتدئاً من أسفل اللوحة، ومن خلال كلمة (لمن)، حيث شكل حرف النون في هذه الكلمة قاعدة متينة تسند كافة مكونات اللوحة، وكان منتصف حرف النون في الجهة اليمنى من اللوحة، ونصفه الآخر في الجهة اليسرى أو المقابلة، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية حروف الكلمة من الألف واللام، وأيضاً حرف العطف (الواو) لتستمر بعد ذلك تقنيات إبداع هذا الشكل المتناظر لتشمل بقية حروف الآية، كما في كلمة (صبر) التي توسطت باؤها حرف اللام في كلمة (لمن)، وكانت نهاية حرف الراء في ذات الكلمة قريبة من منتصف الخط الوهمي الذي يفصل بين الجزأين، وكان لكل حرف صورته التي لا تعكس فقط شكله، وإنما تعكس مضمونه الروحي، الذي يعظم من قيمة الصبر على الأذى، والصبر عن ارتكاب الآثام والمعاصي، ومقابلة الإساءة بالعفو، بل صبر على كل ما يغضب الله جل وعلا، حيث تكون النتيجة الفوز برضا الله، سبحانه وتعالى، وإن ذلك من عزائم الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي أمر الله بها، ورتب لها ثواباً وثناءً محموداً.
وثمة ملاحظة مهمة، في تكوين هذه الآية، في الجزء المتعلق بعبارة (لمن عزم الأمور) التي جاءت في أعلى اللوحة، ومصممة حروفها داخل شكل بيضاوي على هيئة قنديل ينير بالأضواء؛ لتكون نتيجة هذه الرحلة العظيمة، مترجمة في هذا الشكل الذي احتضن معنى كلمة (العزم)، بما تحيل إليه من عزائم الأمور المشكورة والأفعال الحميدة والمحببة إلى الخالق، عز وجل.
حرص محمد فاروق الحداد على أن يخط حروف هذه الآية باللون الأصفر، واستندت هذه الحروف على خلفية حمراء، بما يدل عليه هذان اللونان من ثقة وراحة وهدوء وسكينة تنسجم مع روحانية النص، وتزيده ألقاً وجمالاً.

إضاءة

الخطاط محمد فاروق الحداد، ولد في عام (1974) شغف بالخط العربي منذ بواكير طفولته، فتعلم فنون الخط على يدي عدنان الشيخ عثمان، حصل على درجة الدكتوراه من كلية الفنون الجميلة في جامعة لاهاي، فاز بالعديد من الجوائز الدولية والعالمية وكان أولها وهو في سن 17 عاماً.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"