د. صلاح الغول
سلَّطت زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون لدولة الإمارات، في 30 أبريل (نيسان) المنصرم ولقائه بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله».. سلطت الضوء على سعي الرئيس اللبناني لإعادة تفعيل العلاقات اللبنانية-الإماراتية وتعليقه آمالاً كبيرةً على دعم الإمارات في ظروفٍ أصعب أزمة مركبة تختبرها بلاد الأَرز، دولةً ومؤسسات حُكم ومجتمعاً، منذ عقود.
ولكنّ بو خالد لم يخيِّب آمال عون ولم يحبط توقعات الشعب اللبناني، إذ أكد سموه التزام الإمارات بدعم لبنان وتكامله الوطني وسلامة أراضيه وتعزيز دور مؤسساته الرسمية في حفظ الأمن والاستقرار في البلاد والتطلع نحو مرحلة جديدة من العلاقات المثمرة بين البلدين.
وتضمن البيان المشترك لزيارة الرئيس اللبناني ما يؤكد تفعيل العلاقات بين الجانبين، حيث عبر الجانبان عن تطلعهما إلى رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي المتبادل واتفقا على إنشاء مجلس أعمال إماراتي لبناني مشترك وقيام صندوق أبوظبي للتنمية ببحث وتقييم مشاريع التعاون المشترك المتاحة وبعد أيام من زيارة عون، ألغت الإمارات قرار منع سفر مواطنيها إلى لبنان.
والحق أنّ الرئيس عون الذي يواجه تحدياتٍ جساماً، يحتاج من العالم العربي، كل عون، ف«لبنان الشقيق يُعدّ من ركائز العمل العربي المشترك، » كما عبر عن ذلك البيان المشترك لزيارة الرئيس اللبناني إلى دولة الإمارات.
ولعل أكبر التحديات جميعاً التي يواجهها عون هي الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تطوّق لبنان منذ سنوات والتي يصنفها البنك الدولي من بين أسوأ الانهيارات الاقتصادية على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر والتي فاقمها العدوان الإسرائيلي على لبنان (أكتوبر 2023- نوفمبر 2024) الذي تسبب في أضرار وخسائر اقتصادية تصل إلى 8.5 مليار دولار، ما يساوي 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبنان.. فقد فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها وارتفعت أسعار المواد الغذائية بمقدار عشرة أضعاف تقريباً منذ مايو(أيار) 2019 وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يُصنف لبنان حالياً ضمن الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط. دون الحديث عن الإخفاقات الهيكلية في المؤسسات العامة اللبنانية، وتفشي الفساد وضعف المساءلة والشفافية ويُقدر البنك الدولي تكلفة إعادة الإعمار وحدها ب11 بليون دولار ومن دون تمويل لإعادة الإعمار سيظل تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بعيد المنال.
وهكذا فإنّ لبنان في أمس الحاجة إلى إصلاح اقتصادي وسياسي وقضائي. ومن الصحيح أنّ الرئيس عون لديه «فريق يلهم الثقة» ويحظى بتأييد شعبي وتتمتع حكومته بالشرعية السياسية والبرلمانية، بيد أنّ حزب الله سيقاوم جهود الإصلاح الاقتصادي وخاصةً إجراءات الشفافية (مثل إقرار البرلمان اللبناني مؤخراً قانون رفع السرية المصرفية) التي من شأنها أن تهدد قدرته على إعادة تسليح بنيته التحتية وإعادة بنائها ولا يزال وقف إطلاق النار في لبنان، يتأرجح على حافة الانهيار، من دون أن ينهار فعلياً، حيث تستمر إسرائيل في توجيه ضرباتها العسكرية في جنوب لبنان، مع بقاء جيشها إلى أجل غير مسمى في خمسة مواقع استراتيجية لبنانية بالقرب من الحدود، متجاوزة موعد المهلة الممتدة حتى 18 فبراير (شباط) المنصرم لإتمام الانسحاب الكامل.
وبينما يهدد حزب الله بكسر الهدنة واستئناف الضربات ضد إسرائيل، الذي من غير المرجح أن يحصل لأنه يعني المخاطرة بعمليات انتقامية إسرائيلية أكبر، يواصل الحزب عملياً استراتيجيته للتكيف مع الأوضاع الجديدة الضاغطة، حيث التضييق عليه دولياً ومحلياً وحيث تواصل قواته إعادة انتشارها شمال نهر الليطاني، فيما يشق الجيش اللبناني طريقه تدريجياً إلى المنطقة العازلة وفقاً لما هو مقرر.
التحدي الثالث يتمثل في استمرار وجود إسرائيل في جنوب لبنان وحملتها الجوية المستمرة والوقت الممتد المطلوب للحكومة اللبنانية للتفاوض على استراتيجية دفاع وطني أوسع ورغبة حزب الله في تصوير نفسه على أنه طليعة المقاومة قبل الانتخابات البرلمانية اللبنانية عام 2026، ستحفز الحزب بشكل أكبر على الاحتفاظ بسلاحه، بل إن خطاب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم في 18 أبريل (نيسان)، أغلق الباب أمام نزع السلاح من خلال وضع شروط مسبقة لأي محادثات حول استراتيجية دفاع وطني، كما رفض أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.
ويكافح حزب الله لإعادة إمداد ترسانته بعد فقدان الحزب لكثير من أسلحته الاستراتيجية، حيث لم تعد الطرق السابقة عبر سوريا صالحة للاستخدام بعد سقوط الأسد والعديد من الطرق الأخرى غير صالحة للاستخدام وسط حصار إسرائيلي مدعوم من الولايات المتحدة وسيعطي الحزب الأولوية لجهود إعادة التسليح عبر إيران، مستخدماً طرق التهريب براً وبحراً وجواً إلا أن هذه الجهود ستكون بطيئة بطبيعتها وتنطوي على مخاطر كبيرة لاعتراضها من قبل القوات الإسرائيلية، مما قد يؤدي إلى تجدد الصراع.