لعل من أكبر الآثار السلبية في الناس، حالة المقارنة، التي تبثها وترسخها، مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نرى وعلى نطاق واسع، مقارنة بعضهم أنفسهم بالآخرين، ممن يبثون وينشرون مقاطع فيديو أو صوراً لبعض الجوانب من حياتهم الخاصة أو مناسباتهم أو رحلاتهم أو الهدايا التي يتلقونها، ونحوها من الفعاليات الاجتماعية المعتادة، والتي كانت دائماً تقع وتحدث في نطاق محدود، إلا أنها مع مواقع التواصل الاجتماعي، باتت عامة، وجزءاً من حياة بعضهم وروتيناً يومياً.
هناك فئات، تتابع هذه الحسابات بدقة، وتؤثر في أولوياتهم، فتصبح الحاجات الجانبية رئيسية، ويتم تأجيل أو عدم الاهتمام بالأساسيات، فضلاً عن هذا تحدث مقارنة ومحاولة للحاق، تتمثل في محاولة شراء كل ما يُبث من هذه المواقع، وهنا يحدث خلل بالغ، يتعلق بتدهور مالي للفرد، فضلاً عن ألم نفسي، لأنه يشعر بأن حياته أقل قيمة.
ولا ننسى أن بعضاً من حسابات مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، تبث إعلانات، لسلع باهظة الثمن من الماركات ونحوها، وتكمن خطورة هذا النوع من الإعلان، في كونه يأتي في قالب بعيد عن الإعلان المعتاد، بل كأن هناك إنساناً مقرباً منك ويقنعك بهذه السلعة، وأنت لا تحتاج إليها ولا تتفق مع ذوقك، ومع هذا تقوم بالشراء مجاملة، أو مسايرة للموضة كما يُقال، وهنا يقع الفرد، في حالة من العجز المالي، فقد صرف مدخراته أو دخله المالي المحدود، على مستلزمات جانبية غير أساسية وكمالية، على حساب حاجاته المعيشية اليومية.
مواقع التواصل الاجتماعي، جعلت المقارنة، لدى بعضهم سلوكاً يومياً، يمارسه مع كل لقطة يشاهدها على تلك الحسابات، وكأنها غرست عادة غير صحية، في عقول تلك الفئة، التي لا تتوقف عن التساؤل: لماذا لا أملك نفس هذه السلعة؟ لماذا أنا أقل؟
وكأن الرضا عن الذات، بات تحدياً كبيراً، حيث تقاس قيمة الإنسان، بجوانب مادية ليست أساسية، بل على العكس ثانوية.
وكما هو معروف، عندما يصبح تقدير الذات، مرتبطاً بهذه المعايير والحاجات الهامشية، يصبح الإنسان، في حالة بحث مستمر، وكأن ما ينقصه حاجة ملحة، لا يستطيع العيش بدونها.
بطبيعة الحال، الحل ليس في التجاهل، بل في الوعي والمعرفة، وتجنب هذه التأثيرات، وفي فهم أن لكل إنسان ظروفه الخاصة، وأولوياته، وحاجاته، ومن الأفضل لنا جميعاً أن نركز على تلك الحاجات، وأن نعالج العقبات التي تعترضنا، والصعوبات التي تحد من تطورنا ونمونا الشخصي.
لن تذهب بعيداً بعقلية التقليد والمقارنة، بل ستثقل عقلك ومحفظتك المالية، بمستلزمات لا قيمة لها، وسيتأثر سلباً واقعك ومستقبلك.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







