«هل يمكن أن يكون البابا أمريكياً؟».. كان هذا عنوان مقالة المحلّل السياسي «ستيوارت لورانس» في جريدتنا «الخليج»، الأربعاء الماضي، وبالفعل، فقد كان التساؤل في محله، وفاز للمرة الأولى في كل تاريخ الفاتيكان بابا أمريكي هو روبرت فرانسيس بريفوست، الذي اختار اسم «ليو الرابع عشر» لهذه المكانة البابوية.
رافق هذا الحدث انتظار انبعاث الدخان الأسود أو الأبيض قبل الإعلان عن اختيار البابا، فما هي قصة هذا الدخان الرمزي والواقعي معاً؟.يلتقي الكرادلة في مجمّع سري يطلق عليه (الكونكلاف)، التي تعني «المجمّع المغلق»، لانتخاب البابا، وفي حال عدم اتفاقهم على قرار نهائي يقومون بحرق أوراق الاقتراع في موقد خاص، كما تقول مصادر تاريخ الفاتيكان، ويضاف إلى هذه الأوراق المحترقة بعض المواد الكيماوية مثل البوتاسيوم الذي يساعد على كثافة اللون الأسود.في حالة الدخان الأبيض، والذي يرمز إلى اتفاق الكرادلة على بابا بعينه، يجري الأمر نفسه، من حيث حرق أوراق الاقتراع في الموقد، وأيضاً إضافة مواد مساعدة لإطلاق دخان أبيض، ويعود هذا الطقس الانتخابي الكنسي إلى القرن الـ 13، أو قبل ذلك الزمن، وفي كل الأحوال ضمن عملية انتخابية تُجرى بين الكرادلة، وفي منتهى السرّية، وعلى العكس مما يحدث عادة في الانتخابات السياسية لدول العالم، لا يوجد في ثقافة الفاتيكان مراقبون على انتخاباتهم، ولم يحدث في تاريخ الفاتيكان كلّه، بحسب المعلومات المتوفرة، أن تم الطعن في انتخابات الدخان الأبيض والأسود، أو تم إلغاؤها أو إعادتها لشبهات فساد في الترشيح والانتخاب.قصة دينية، رمزية، وواقعية، تحيط بها ظلال طقوسية، أقصد بها قصة الدخان الكنسي التاريخي هذا.. وربما كانت هذه الحالة الطقسية التي ترافق انتخاب البابا هي وراء الحشود الكثيفة التي تأتي إلى الفاتيكان لمراقبة الدخان في حدّ ذاته، وما يحيط به من فرجة عامة في العالم كلّه، فأحياناً وفي مثل هذا الوضع الطقسي يكون المقصود عند الجماهير هو الدخان، وليس البابا.اليوم، الشخصية الاعتبارية للبابا عموماً هي شخصية إنسانية، إضافة إلى حضورها الرّوحي القوي جداً في العالم.. كما حضورها الأخلاقي والثقافي.
البابا السابق فرانسيس، على سبيل المثال، سمح للنساء بالانتخاب للمرة الأولى في تاريخ ما يُسمى في الثقافة المسيحية (الكرسي الرسولي)، في حين كان غير مسموح لنساء الفاتيكان مجرّد فتح حساب مصرفي، وأول ما أعلنه البابا الأمريكي أنه سيكون نصيراً للمهمّشين في العالم، وهو زمن ثقافي بابوي مختلف كلياً عن شخصية البابا في القرون البعيدة، حين كان رجل الفاتيكان الأول هو من يعيّن أباطرة وأمراء وملوك ورؤساء الدول الأوروبية، بل كان يقود الحروب، وله قرار سياسي وعسكري، وكان أيضاً يبيع صكوك الغفران.أما اليوم، فشخصية البابا تحيل عادة إلى رجل بسيط، هادئ، ضعيف البنية أحياناً، وقليل الكلام، وهو مكمل ثقافي لأخلاقيات التسامح والتعايش والمحبة.
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







