تأسس بينالي البندقية في إيطاليا في العام 1895، أي أن وراءه نحو 130 عاماً من العمل الفني المتواصل في فضاءات الرسم والنحت، غير أن البينالي الذي يعد اليوم واحداً من أهم تظاهرات العالم الفنية القديمة والمعاصرة، ضمّ إلى رؤيته الثقافية حقولاً أخرى مثل التصميم والموسيقى والرقص.
وبالطبع، يستوعب البينالي التجارب الإبداعية التشكيلية والبصرية الجديدة، مثل الأفكار المفاهيمية في الفن وتطبيقاتها التجريبية، أي أن فنون الأداء، والڤيديو، والصورة السينمائية، وربما الصورة الفوتوغرافية، تدخل كلّها في فضاء البينالي الذي يقوم في اختياراته للعرض على منصّاته على منظومة من مثقفي المقيّمين، والنقاد، ومفكّري الجماليات وفلسفات الفن، وهذه أيضاً منظومة ثقافية لها منظّروها ومفكروها الكبار من الفنانين والنقّاد الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن العشرين، وهم امتداد فكري وثقافي لحيوية الفن العالمي منذ أواخر القرن التاسع عشر، وحتى أوائل القرن العشرين..
إيطاليا مسقط رأس كبار فنّاني العالم وفلاسفته وشعرائه، ويكفي الإشارة إلى اسمين رمزين: ليوناردو دافنشي، ومايكل أنجلو.
ولكن لماذا البندقية؟ ولماذا ارتبط اسم البينالي بهذه المدينة بالذات، وليس بروما العاصمة؟ واجتهاداً هنا، يمكن القول لأن البندقية يُنظر إليها عالمياً على أنها عاصمة الفن الأوروبي، وهي مدينة رسّامين ونحّاتين وشعراء ورحّالة واستكشافيين داروا حول العالم. والبندقية، إلى جانب ذلك، مدينة تجّار، ومغامرين، وفنّانين بالفطرة، كما هي مدينة جماليات وسرديات بوصفها مكاناً شعرياً وروائياً يقترح دائماً فكرة الأدب، والفن، والجمال.
هذه مجرّد اجتهادات عن مدينة أوروبية، متوسطية، مائية، ارتبط بها حدث فني أصبح تاريخياً اليوم ضمن قصة الفنون التي أصبح لها اقتصاد، وسوق، وبورصة، لكن قبل كل ذلك، هي قصة مدينة تكشف عن روحها مباشرة تحت الشمس، ليصبح هذا البينالي العالمي امتيازاً، واعترافاً ثقافياً ونقدياً بعالمية وإنسانية الفنون المتقدمة في ثقافات العالم.
شاركت الإمارات بفنّانيها العالميين الإنسانيين في بينالي البندقية في دورات سابقة، واليوم تحضر هوية الفن الإماراتي المعاصر في البندقية وفي بينالي البندقية، التاريخ، والثقافة، والمعرفة.
شخصية الإبداع الفني في البندقية إماراتية، عربية، عالمية، إنها أولاً شخصية المكان الإماراتي بأبعادها المعاصرة والحداثية، المرتبطة موضوعياً بالتراث الإماراتي، والثقافة الشعبية الإماراتية.
بكلمة ثانية، الفن الإماراتي الحديث في البندقية، وفي بيناليات عالمية مشابهة، هو رقم إبداعي عالمي يجد موقعه في مثل هذه التظاهرات الكبيرة من خلال التقييم الذي يستحقه هذا الفن، ومن خلال قراءة نقدية عالمية لهذه الثقافة الإماراتية التشكيلية الجديدة في مضامينها، وأشكالها واقتراحاتها الفكرية الإبداعية.
الفنون الإماراتية الراقية عالمية، وهي جديرة بهذه العالمية من خلال فنانين إماراتيين قرأوا جيداً تاريخ الفن، بل وصنعواً أيضاً تاريخاً جديداً له.
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







