كثيراً ما أتى ذكر النازية على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومسؤولين روس عند الحديث عن أهداف «العملية الخاصة في أوكرانيا»، كما تسميها موسكو، أو الحرب عليها بتوصيف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين.
يرى بوتين منذ بداية الصراع مع أوكرانيا أن أفكار النازية تسيطر عليها، وأنه لا بد من اجتثاثها من هذا البلد المجاور، ومن غير ذلك فلا نصر روسياً. ولا يزال الرئيس الروسي يحافظ على هذا الخط الرابط بين نهاية الحرب العالمية الثانية، أو الحرب الوطنية العظمى في الأدبيات الروسية، والمواجهة العسكرية مع أوكرانيا، أو بالأحرى مع من يقف خلفها، واثقاً بأن النصر على المعسكر الآخر آتٍ لا محالة.
صحيح أن النصر الذي كانت روسيا تراه وشيكاً وحتمياً لما اعتبرته عملية عسكرية خاطفة تأخر، لكن القناعة الروسية أنه يتحقق بتدرج وصولاً إلى نهاية المواجهة العسكرية التي يشجع عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حتى ولو بدأت بوقف غير مشروط لإطلاق النار لمدة ستة أشهر قبل أن يتحول إلى سلام دائم.
وهذه النهاية هي أحد الأهداف التي يسعى ترامب إلى بلوغها ضمن تحركاته في الملفات السياسية الساخنة حول العالم، وفي مقدمتها حربا غزة وأوكرانيا، من دون صدام مباشر مع بوتين، بل كان الهجوم أكبر على نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.
وخالف ترامب بذلك النهج الذي اتبعه سلفه جو بايدن وحلفاؤه الأوروبيون الذين يتحركون الآن منفردين في مواجهة روسيا بيقين أن انتصارها على أوكرانيا يعني نهايتهم. وأحدث الخطى الأوروبية في هذا السياق إنشاء محكمة لمحاكمة مسؤولين روس عن «جريمة العدوان بحق أوكرانيا»، وتعهد الاتحاد الأوروبي بدفع مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة لشركات أوكرانية لتصنيع الأسلحة.
وبينما كان وزراء الخارجية الأوروبيون مجتمعين في لفيف، غربي أوكرانيا، كان بوتين يقيم جسراً بدعائم معنوية ومادية بين نصر قديم وآخر يثق بتحققه.
ومن علامات هذا النصر التي أقر بها الإعلام الأمريكي نفسه بعد الاحتفال الضخم في موسكو، نجاح بوتين في أن يحيط نفسه بهذه المناسبة بعشرين زعيماً أجنبياً في رسالة واضحة مفادها أنه، بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا، لم تفلح جهود عزله عن الخارج، أو إضعاف حضوره في المشهد السياسي العالمي. وكان حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ في احتفالات روسيا تأكيداً جديداً لوحدة موقف البلدين في مواجهة غريمهما المشترك: الولايات المتحدة.
وأعاد بوتين التأكيد على وحدة الروس جميعاً في هذا الصراع مع النازية، وبسالة الجنود المنخرطين فيه، من دون إغفال دور الصناعات العسكرية الروسية المتطورة التي لم تتأثر بالعقوبات الاقتصادية.
يضاف إلى ذلك رمزية استعراض قوى عسكرية من دول الاتحاد السوفييتي السابق، ومؤسساته العسكرية، ومن بعض الدول الصديقة خلال الاحتفال الذي بدا حلقة وصل بين نصرين: قديم وجديد.
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







