منذ لحظة وصولي إلى جدة في يوم 5 مايو ظهراً كنت في ترقب كبير للمدينة التي يزورها كل مسلم، فهي الوجهة الأولى لأي معتمر أو حاج، ليست هذه رحلتي الأولى، لكنها الأولى منذ عام 2018، الأولى بعد جائحة كوفيد، والأهم الأولى بعد افتتاح مطار جدة الجديد، التحفة الفنية الجديدة التي تزين جدة وأهلها، كنت أنظر من السماء، ونحن نقترب إلى الأرض، على متن الخطوط السعودية، كان اللون البني المحمر يقترب مني، كنت معجبة بانغماس المعمار بالهوية، وهذا أجمل ما في هذا المكان، كانت النظرة سريعة، لكني عدت في رحلة العودة بهدوء..!
بعد أيام، انتهى المؤتمر الذي شاركت فيه، وخرجت صباحاً في ساعة أبكر، وكلي حماس جميل، وترقب لأدخل صالة الحجاج في مطار جدة القديم، تحول بعضه لصالات عرض جميلة، احتضنت بكل إبداع «مهرجان الفنون الإسلامية»، نزلت لوحدي أمشي تحت المظلات الشاهقة الطول، وساحة المعتمرين والحجاج، لكن الحدث والتفاصيل تغيرا، أصبحت صالات فنية مقسمة، إلى مطاعم ومقاهٍ، كانت حافلات الطالبات تسبقني، مشيت بينهن، وأسمع أحاديثهن، وحماستهن لدخول المعرض، تقدمت عنهن في عجلة حتى استفرد بالتفاصيل الأولى، لم تخبرني صديقاتي وهن يحجزن لي تذكرة الدخول بيوم قبلها ما سأرى.
فكانت الدهشة، فتحت الباب لأسمع صدى القرآن، وأستار الكعبة من خلف جدار أبيض كبير ممتد، لم أستطع إلا أن أقف، وقلبي يرف من شدة الفرحة، لم أزر الحرم في زيارتي هذه، لكن الوقوف قريباً من كسوة الكعبة في أجزائها المختلفة المتصلة ببعضها بما فيه جزء الباب، كان فيه من الرهبة والحب ما جعلني أقول: «يا رب قريباً بيتك الحرام»، امتدت عيوني لمرزاب الرحمة، لذلك الجمال في خطوطه وقصته في تجميع المطر، وانتقلت من المنبر وأستار الكعبة لحالة الكون والدهشة، والهوة الأولى، والسواد الأعظم الذي خلقت منه الدنيا، لتفاصيل الحياة والصلاة والمجتمع، كانت كل قصة في سرد العمل الفني، متقناً ويشبهني في حكايات كثيرة، كنت أقول دائماً العمل هو قصة، ومن لا يستطيع أن يحكي قصة عمله ويسردها في تفاصيلها لم يتقن الصنعة...!
كنت أنتقل من صالة لأخرى، وكلي احترام للتفاصيل، للعرض والجمال الذي أحسسته في حالة السكون والهدوء بين المعروضات، كنت أقرأ وأخبر نفسي التي تمشي وحدها، وأردد: نحن أمة لها من الإرث والتاريخ، والحضارة والفنون ما يجعلك تعتز كثيراً، نعم كثيراً بانتمائك، بهويتك بتفاصيل دينك، بالقرآن الكريم الذي يجمل حياتك، بالأصالة والرؤية، نحن امتداد جميل لآبائنا وحياتهم، ويستحقون منا الوفاء والفخر، خرجت من المكان إلى المطار وقلبي مملوء بالحب والعزة، فالحمد لله.
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







