إعداد: محمد كمال
في أول تصريح من نوعه لدونالد ترامب، دعا إلى إنهاء ما وصفه بـ«الحرب الوحشية» في غزة، تزامناً مع إفراج حركة حماس عن الرهينة الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، لكن هذا المقترح ربما يواجه رفضاً من حكومة بنيامين نتنياهو، التي أكدت أنه لا وقف للقتال أو تحرير لأسرى فلسطينيين مقابل الرهينة المفرج عنه. وهو ما اعتبره مراقبون مؤشراً جديداً على مدى تدهور العلاقات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي.
ويرى مراقبون أن ترامب بدعوته لإنهاء «الحرب الوحشية» وتعبيره عن أمله في «يوم الاحتفال» قد وضع شروطاً جديدة للمفاوضات بين إسرائيل وحماس، فيما لم يوافق نتنياهو إلا على وقف جزئي لإطلاق النار والإفراج عن جميع الرهائن، لكن ترامب أكد الآن أنه يريد أن تكون نهاية الحرب جزءاً من اتفاق أوسع لتحريرهم جميعاً.

ـ موقف حازم:
ويرى محللون أنه لتحقيق دعوة ترامب إلى إنهاء الحرب وإطلاق سراح جميع الأسرى في قطاع غزة، عليه أن يتعامل بحزم مع نتنياهو. ووصف ترامب عبر منصته «تروث سوشيال» إطلاق سراح ألكسندر بأنه «خطوة حسن نية تجاه الولايات المتحدة»، ورغم أنه لم يشر صراحة إلى من يعنيه بهذه العبارة، فقد أوضحت تقارير أنه كان يشير إلى حركة حماس تحديداً، حيث أجرت إدارته محادثات معها على مدار الفترة الماضية.
ولأول مرة منذ تولي منصبه في يناير/ كانون الثاني يستخدم ترامب عبارة «وضْع حدٍّ لهذه الحرب الوحشية»، سواء في أيّ من تصريحاته أو خطاباته أو تعليقاته الإعلامية حول حرب غزة، وربط ذلك بعودة جميع الرهائن المحتجزين حالياً في غزة، والمقدر عدد الأحياء منهم حالياً بـ21 رهينة، ومن بينهم الرهينة المحرر أخيراً عيدان ألكسندر.
ومن اللافت، أن دعوة ترامب لإنهاء الحرب وإطلاق سراح جميع الأسرى، تتطابق مع مطلب عائلات الرهائن وغالبية الشارع الإسرائيلي، لكن بحسب محللين فإن هذا المطلب يتعارض مباشرة مع نوايا حكومة نتنياهو التي استدعت الآلاف من جنود الاحتياط تمهيداً لهجوم واسع النطاق بحراً وجواً وبراً على غزة، رغم الخطر الواضح من هذه العملية على حياة الرهائن.
وبحسب تقرير لصحيفة هآرتس، فإنه إذا تمسك ترامب بمطلبه فسيصبح من الصعب على نتنياهو المضي قدماً في خططه الحربية التي لا تحظى بشعبية كبيرة في إسرائيل، فيما تتصاعد الاتهامات بأن نتنياهو يسعى لتوسيع الحرب لأغراض سياسية تحمي ائتلافه الحاكم ومن بينه وزراء اليمين المتطرف المؤيدون بشدة للحرب من الانهيار.
ومن الملاحظ أنه في حين ألمح ترامب إلى دور الوساطة المصرية القطرية في الإفراج عن عيدان، فإنه لم يشر أبداً إلى إسرائيل رغم أن الرهينة يحمل جنسيتها أيضاً، ومن ثم يرى مراقبون أن الصفقة تمت دون تدخل إسرائيلي، وكانت بمثابة الأمر الواقع أمام نتنياهو، وهو ما يعني أنه قد يجد نفسه أيضاً أمام صفقة مماثلة للإفراج عن جميع الرهائن ووقف القتال إذا مضت الإدارة الأمريكية ومبعوث ترامب ستيف ويتكوف قدماً في هذا المقترح.
ـ قلق متصاعد في إسرائيل
وذكرت صحيفة واشنطن بوست أنه من الشروع في محادثات نووية مع إيران إلى محاولة إجراء محادثات مع حماس دون علم إسرائيل، عمل ترامب بشكل متزايد على تهميش نتنياهو، ما أثار المخاوف في إسرائيل التي اعتادت منذ فترة طويلة التشاور مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
في الأسبوع الماضي، اعتقد الإسرائيليون أنهم لاحظوا تزايداً في الخلافات بين ترامب وحكومة نتنياهو، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي عن هدنة مع الحوثيين في اليمن، ما حدّ من هجمات الجماعة على السفن الأمريكية، لكنه لم يتطرق إلى إسرائيل.
ويقول شالوم ليبنر، وهو مساعد سابق لنتنياهو، واصفاً ما يشعر به الإسرائيليون: «إنها حالة من الذعر التام». كما قال دينيس روس، المسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية والذي عمل مبعوثاً للشرق الأوسط في عهد رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين، إن المخاوف الإسرائيلية بشأن مفاوضات ترامب مع إيران والتهديدات الأخرى لإسرائيل «لا توضع في الاعتبار، أو إذا تم وضعها في الاعتبار يتم تجاهلها».
وأشار روس إلى أن الأصوات داخل إدارة ترامب التي تدعو إلى تقليل التدخلات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط آخذة في الصعود.
ـ لا إذن إسرائيلي
لكن في مقابلة الخميس، نفى السفير الأمريكي الجديد لدى إسرائيل، مايك هاكابي، الادعاءات القائلة بتجاهل الإدارة الأمريكية للمخاوف الإسرائيلية، وصرح لقناة تلفزيونية إسرائيلية بأن «الولايات المتحدة ليست مُلزمة بالحصول على إذن إسرائيلي» للتوصل إلى وقف إطلاق نار مع الحوثيين. وفي اليوم التالي، ندد هاكابي عبر حسابه على موقع «إكس» بما وصفه بتقارير إعلامية «متهورة وغير مسؤولة» أشارت إلى أن ترامب ونتنياهو «ليسا على وفاق».
وقال أحد مستشاري ترامب، الذي وصف معاملة ترامب لنتنياهو بأنها «أفضل بدرجة واحدة» من اجتماعه المتوتر في البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل ثلاثة أشهر كما ذكرت تقارير إعلامية، إن مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق مايكل والتز أُقيل من منصبه بعد أن بدا أنه شارك في تنسيق مكثف مع نتنياهو بشأن الخيارات العسكرية ضد إيران، وهو ما أثار غضب ترامب.
ويقول مسؤولون ومحللون إسرائيليون إن صعود جناح متشكك في واشنطن، وخاصة داخل الحزب الجمهوري الذي يُنظر إليه تقليدياً على أنه قريب من إسرائيل، يشكل تحدياً جديداً.
ـ انخفاض المؤيدين في الكونغرس
لعقود، عندما اصطدم الرؤساء الأمريكيون، من الجمهوري جورج بوش الأب إلى الديمقراطي باراك أوباما، مع إسرائيل في مسائل تتراوح من سياسة الاستيطان في الضفة الغربية إلى الاستراتيجية تجاه إيران، اعتمدت إسرائيل على مؤيديها في الكونغرس للرد. ومع ذلك، حتى بعد أن ألقى نتنياهو وبعض مؤيدي إسرائيل بثقلهم خلف ترامب، فإن عدداً من المشرعين الجمهوريين المتحالفين معه، مثل النائبة مارجوري تايلور غرين، يبتعدون بشكل متزايد عن إسرائيل، تاركين إياها دون أي ملاذ في الكونغرس.
من جانبهم، قلّل حلفاء نتنياهو من شأن أي خلاف بين القادة الأمريكيين والإسرائيليين. وصرح أحد أعضاء حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو بأن القلق في إسرائيل ناجم ببساطة عن عدم تطابق التوقعات.
وأشاد مسؤول إسرائيلي آخر بترامب لتوفيره ذخائر ثقيلة للجيش الإسرائيلي، وقال إنه في حين ضغط مسؤولو إدارة جو بايدن بشكل متكرر على إسرائيل للسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، فإن ترامب لم يقدم مثل هذه الطلبات خلال الأشهر القليلة الأولى من ولايته.
ـ توترات سابقة
خلال الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي شهدت منافسة حامية في عام 2019، نشر نتنياهو لوحة إعلانية ضخمة على طول الطريق السريع الرئيسي في تل أبيب، تُظهره وهو يصافح ترامب، فوق شعار: «نتنياهو، في مستوى مختلف».
لكن بعد عام، أغضب نتنياهو ترامب بإعلانه ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. ثم أثار غضبه أكثر بتهنئة بايدن على فوزه في الانتخابات بينما كان ترامب يشكك في النتائج، حسبما روى الرئيس في مقابلات مع أكسيوس في عام 2021.
في الأيام الأخيرة، انتهز معارضو نتنياهو الفرصة للتشكيك في علاقاته مع الإدارة الأمريكية، ووصف يائير لابيد، زعيم المعارضة في إسرائيل، المفاوضات المباشرة بين الولايات المتحدة وحماس بشأن الرهائن بأنها «فشل دبلوماسي مُشين» لنتنياهو.